الحادي عشر: أن فسخ الحج إلى العمرة موافق لقياس الأصول لا مخالف لها ولو لم يرد به النص لكان القياس يقتضي جوازه، فجاء النص به على وفق القياس - قاله شيخ الإسلام - ويقرره بأن المحرم إذا التزم أكثر مما كان لزمه جاز باتفاق الأئمة؛ فلو أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج جاز بلا نزاع، وإذا أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم يجز عند الجمهور؛ وهو مذهب مالك وأحمد والشافعي رحمهم الله في ظاهر مذهبه وأبو حنيفة يجوِّز ذلك بناء على أصله في أن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين. قال: وهذا قياس الراوية المحكية عن أحمد في القارن أنه يطوف طوافين ويسعى سعيين. وإذا كان كذلك فالمحرم بالحج لم يلتزم إلا بالحج فإذا صار متمتعا صار ملتزما لعمرة وحج فكان ما التزمه بالفسخ أكثر مما كان عليه فجاز ذلك. ولما كان أفضل كان مستحبا. وإنما أشكل هذا على من ظن أنه فسخ حجا إلى عمرة وليس كذلك؛ فإنه لو أراد أن يفسخ الحج إلى عمرة مفردة لم يجز بلا نزاع، وإنما الفسخ جائز لمن كان من نيته أن يحج بعد العمرة. والمتمتع من حين يحرم بالعمرة فهو داخل في الحج كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة". ولهذا يجوز له أن يصوم الأيام الثلاثة من حين أن يحرم بالعمرة، فدل على أنه في تلك الحال في الحج، وأما إحرامه بالحج بعد ذلك فكما يبدأ الجنب بالوضوء ثم يغتسل بعده وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل إذا اغتسل من الجنابة، وقال للنسوة في غسل ابنته:"ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها". فغسل مواضع الوضوء بعض الغسل فإن قيل هذا باطل لثلاثة أوجه؛
أحدها أنه إذا فسخ استفاد بالفسخ حلا كان ممنوعا منه بإحرامه الأول: فهو دون ما التزمه.
الثاني: أن النسك الذي كان قد التزمه أولا أكمل من النسك الذي فسخ إليه ولهذا لا يحتاج الأول إلى جبران والذي يفسخ إليه يحتاج إلى هدي جبرانا له ونسك لا جبران فيه أفضل من نسك مجبور.