وأخذ المدعون يتوافدون ومن كل حدب وصوب ينسلون حتى تكامل الوفد ووجب الرفد فحدد لهم موعداً وخصص لهم مشهداً هو يوم عرفه ليتجلى لهم فيه ويمنحهم بحسب إخلاصهم في خدمته جوائز إحسانه، وعطايا أفضاله، فحسن أن يخرجوا يوم التروية في ملابسهم الرسمية التي دخلوا بها حرم مولاهم، وحمى من دعاهم فينزلوا بمنى استعداداً حتى إذا طلعت شمس يوم الموعد المحدد كانوا على أتم استعداد لحضور ذلك المشهد، فينزلوا بنمرة أول النهار وما إن تزول الشمس وتدنو ساعة الحضور، وقد طعموا وشربوا وتطهروا، ونزلوا المصلى فصلوا فرضهم معاً جمعاً وقصراً، كل ذلك تفرغاً منهم للمناجاة واستعداداً للملاقاة، واندفعوا متدفقين على ذلك الميدان الرحب الفسيح "الموقف بعرفة "ووقفوا – وكلمهم رجاء – باكين خاشعين سائلين متضرعين، ولم يزالوا كذلك حتى يتجلى لهم مولاهم ويعطيهم سؤالهم ومناهم فيكرم المحسنين منهم ويعفو عن المسيئين، وقد باهى بهم ملائكة السماء، وأشهدهم على ما منحهم وأعطى.
ولما تتقض تلك الساعات التي تزن الدهور بغروب شمس ذلك اليوم الذي يفضل العصور يأذن لهم مولاهم بالإنصراف وقد أرشدهم إلى محل النزول (مزدلفة) ليبيتوا ليلتهم في بهجة وسرور حتى إذا أصبحوا وقفوا بالمشعر الحرام ذاكرين لمولاهم رفده وإحسانه شاكرين له أفضاله وإنعامه.
{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} .. وبعد أن يسفروا يخفون عائدين إلى بيت مولاهم ومكان تجمعهم ولقياهم، وفي طريقهم يشفون صدورهم ويذهبون غيظ قلوبهم من عدوهم فيرمونه بمنى بسبع حصيات.