وفرّ اليهود إلى منطقة الشق؛ فاعتصموا بأول حصونها، وهو حصن أُبَيّ على جبل يسمى (شمران) ؛ فشدد المسلمون عليه الحصار، واشتبكوا مع اليهود اشتباكا عنيفا، ثم حملوا على الحصن حملة صادقة بقيادة أبي دجانة الأنصاري حتى فتحوه.
وهرب من به من اليهود؛ فاقتحموا الجدر إلى حصن البريء وتحصنوا به، وزحف رسول الله إليهم بأصحابه، وكان المعتصمون في ذلك الحصن أمهر أهل الشق في رماية النبل والحجارة، وقد واصلوا الرمي حتى أصاب النبل ثياب رسول الله وعلق بها؛ فأمر صلى الله عليه وسلم أن ينصب عليه المنجنيق؛ فوقع الرعب في قلوب أهله فتركوه وهربوا، وبذلك سقطت منطقة الشق، كما سقطت من قبل منطقة النطاة.
تقهقر اليهود بعد ذلك إلى منطقة الكتبة، وتحصنوا فيها بحصن بني الحقيق، ويسمى حصن القموص، وهو من الحصون المنيعة، وكان به نساء بني الحقيق؛ فحاصره المسلمون عشرين ليلة، ثم فتحه الله على يد على بن أبي طالب كرم الله وجهه.
وقد سبي من هذا الحصن عدد من النساء والذراري من بينهم السيدة صفية بنت حيي بي أخطب، وقد اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين السبايا؛ فأعتقها وتزوجها؛ فشرفها الله بهذا الزواج وكانت من أمهات المؤمنين.
تم انتهى المسلمون إلى حصن الوطيح والسلالم، وهما آخر حصون خيبر؛ فحاصرهما رسول الله بضع عشرة ليلة فلما أحس من بهما من اليهود بعجزهم عن المقاومة وأيقنوا بالهلاك إن اقتحمها المسلمون عليهم؛ لما أحسوا بذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستسلموا على أن تحقن دماؤهم، ونزل كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق؛ فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحقن دماء من في حصونهم من المقاتلين ويترك لهم الذرية يخرجون بها من خيبر تاركين أرضهم ومالهم وخيلهم وسلاحهم لرسول الله؛ فقال لهم صلى الله عليه وسلم:"وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتوني شيئا".