ثم هل عاش فضيلته ألف وأربعمائة سنة حتى يرى ماذا فعل كل مسلم عاش على وجه الأرض منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا؛ حتى يتسنى له أن يجزم بما جزم به ويدعي ما ادعاه من أمر لا يدرك إلا بالحس والمشاهدة؟..
إذا كان هذا مستحيلا فتحقيق ما ادعاه الشيخ مستحيل أيضا، فلو أن فضيلته قرر ذلك حكما شرعيا لكانت المشكلة أخفّ، سواء أصاب أو أخطأ؛ لأن الحكم الشرعي يدرك بالاجتهاد في نصوص الشرع، والمجتهد يصيب أحيانا ويخطئ أحيانا أخرى، ولكن ما قرره فضيلته دعوى علم بما جرى عليه المسلمون منذ أربعة عشر قرنا من الزمان؛ فيا عجب العجاب! وإن كان الشيخ - وفقه الله - بنى حكمه هذا على أساس اعتقادي بأنّ هذا هو الحق في هذه المسألة شرعا؛ لأننا نقول له: حتى وإن استطعت أن تثبت أن هذا هو الحق شرعا فإنك لا تستطيع أن تثبت أن الناس جميعا التزموا به وحافظوا عليه، فهناك فرائض الإسلام وأركانه ولوازم التوحيد ومقتضياته قد أخلّ الناس بها ولم يحافظ عليها ويؤديها - وفق ما جاء به الرسول عليه السلام - إلا بعض المسلمين، وهى أمور ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع إجمالا وتفصيلا؛ فما بالك بهذه المسألة التي وقع الخلاف في أصلها وفروعها، ووقع قوم منها في مهالك منذ اختلط على الكثير من المسلمين الصواب بالخطأ والحق بالباطل والهدى بالضلال، علما بأن التخرص والتخمين وقياس الماضي بالحاضر والاعتبار بواقع الناس في عصر من العصور ما كانت هذه الأمور يوما من الأيام مصادر علم تقام على أساسها الأحكام، خاصة أمور الدين التي لا مصدر لها سوى الوحي السماوي والتنزيل الرباني والتشريع الرباني، ولو كان الظن والتخرص مصدر علم يوصل إلى حقائق الأمور لصار العلم من أسهل الأشياء تحصلا، ولاستطاع أجهل الناس أن يتحمل أية متاعب.