٤- وصف الله تعالى جنة آدم بصفات لا تكون إلا في جنة الخلد فقال:{إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} ، وهذا لا يكون في الدنيا أصلا؛ فإن الرجل ولو كان في أطيب منازلها لا بد أن يعرض له شيء من ذلك، وقابل سبحانه بين الجوع والظمأ والعري والضحى؛ فإن الجوع ذل الباطن والعرى ذل الظاهر، والظمأ حر الباطن والضحى حر الظاهر؛ فنفى عن أهلها ذل الظاهر والباطن وحر الباطن والظاهر، وهذا أحسن من المقابلة بين الجوع والعطش والعرى والضحى، وهذا شأن ساكن جنة الخلد.
٥- لو كانت الجنة في الدنيا لعلم آدم كذب إبليس في قوله:{هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} ؛ فإن آدم كان يعلم أن الدنيا منقضية فانية وأن ملكها يبلى.
٦- جاءت (الجنة) معرفة باللام في جميع المواضع كقوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ونظائرها، ولا جنة يعهدها المخاطبون ويعرفونها إلا جنة الخلد التي وعدها الله عباده بالغيب؛ فقد صار هذا الاسم علماً عليها بالغلبة، كالمدينة والنجم والبيت والكتاب ونظائرها؛ فحيث ورد اسمها معرفا انصرف إلى الجنة المعهودة المعلومة في قلوب المؤمنين، وأما إن أريد بها جنة غيرها فإنها تجئ منكرة أو مقيدة بالإضافة، أو مقيدة من السياق بما يدل على أنها جنة في الأرض؛ فالأول قوله تعالى:{جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ} ، والثاني كقوله:{وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ} ، والثالث كقوله:{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} .
٧- ومما يدل على أن جنة آدم هي جنة المأوى ما روى هوذة بن خليفة عن عوف عن قسامة بن زهير عن أبي موسى الأشعرى قال:"إن الله تعالى لما أخرج آدم من الجنة زوّده من ثمارها، وعلمه صنعة كل شيء؛ فثماركم هذه من ثمار الجنة غير أن هذه تتغبر وتلك لا تتغير".