١- أما قولكم: إن قلنا هذا هو الذي فطر الله عليه عباده بحيث لا يعرفون سواه؛ فالمسألة سمعية لا تعرف إلا بأخبار الرسل، ونحن وأنتم إنما تلقينا هذا من القرآن لا من المعقول ولا من الفطرة؛ فالمتبع فيه ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله، ونحن نطالبكم بصاحب واحد أو تابع أو أثر صحيح أو حسن بأنها جنة الخلد التي أعدها الله للمؤمنين بعينها، ولن تجدوا إلى ذلك سبيلا، وقد وجدنا لكم من كلام السلف ما يدل على خلافه، ولكن لما وردت الجنة مطلقة في هذه القصة، ووافقت اسم الجنة التي أعدها الله لعباده في إطلاقها وبعض أوصافها؛ فذهب كثير من الأوهام إلى أنها هي بعينها، فإن أردتم بالفطرة هذا القدر لم يفدكم شيئا، وإن أردتم أن الله فطر الخلق على ذلك كما فطرهم على حسن العدل وقبح الظلم وغير ذلك من الأمور الفطرية فدعوى باطلة، ونحن إذا رجعنا إلى فطرنا لم بحد علمها بذلك كعلمها بوجوب الواجبات واستحالة المستحيلات.
٢- وأما استدلالكم بحديث أبي هريرة رضى الله عنه، وقول آدم عليه السلام: وهل أخرجكم منها إلاّ خطيئة أبيكم؛ فإنما دل على تأخر آدم عليه السلام لاستقباح الخطيئة التي تقدمت منه في الدار الدنيا، وأنه بسبب تلك الخطيئة حصل له الخروج من الجنة، كما في اللفظ الآخر: إني نهيت عن أكل الشجرة؛ فأكلت منها، فأين في هذا ما يدل على أنها جنة المأوى بمطابقة أو تضمين أو استلزام، وكذلك قول موسى عليه السلام له: أخرجتنا ونفسك من الجنة؛ فإنه لم يقل أخرجتنا من جنة الخلد.
وقولكم: إنهم خرجوا إلى بساتين من جنس الجنة التي في الأرض؛ فاسم الجنة وإن أطلق على تلك البساتين فبينها وبين جنة آدم ما لا يعلمه إلا الله، وهي كالسجن بالنسبة إليها، واشتراكهما في كونهما في الأرض لا ينفي تفاوتهما أعظم تفاوت في جميع الأشياء.