٣- وأما استدلالكم بقوله تعالى:{وَقُلْنَا اهْبِطُوا..} عقيب إخراجهم من الجنة؛ فلفظ الهبوط لا يستلزم النزول من السماء إلى الأرض، غايته أن يدل على النزول من مكان عل إلى أسفل منه، وهذا غير منكر؛ فإنها كانت جنة في أعلى الأرض فاهبطوا منها إلى الأرض، وقد كان الأمر بالإهباط لآدم وزوجه وعدوهما، فلو كانت الجنة في السماء لما كان عدوهما متمكنا منها بعد إهباطه الأول لما أبى السجود لآدم عليه السلام، فالآية حجة عليكم لا لكم، ولا تغنى عنكم وجوه التعسفات والتكلفات التي قدرتموها.
وأما قوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} ؛ فهذا لا يدل على إنهم لم يكونوا قبل ذلك في الأرض؛ فإن الأرض اسم جنس، وكانوا في أعلاها وأطيبها وأفضلها في محل لا يدركهم فيها نصب ولا جوع ولا ظمأ؛ فأهبطوا إلى أرض يعرض فيها ذلك، وفيها حياتهم وموتهم وخروجهم من القبور والأرض التي أسكناها لم تكن دار نصب ولا تعب ولا أذى، والأرض التي اهبطوا إليها هي محل التعب والنصب والأذى وأنواع المكاره.
٤- وأما قولكم: إنه سبحانه وتعالى وصفها بصفات لا تكون في الدنيا؛ فجوابه أن تلك الصفات لا تكون قي الأرض التي أهبطوا إليها؛ فمن أين لكم أنها لا تكون في الأرض التي اهبطوا منها.
٥- أما قولكم إن آدم عليه السلام كان يعلم أن الدنيا منقضية فانية؛ فلو كانت الجنة فيها لعلم كذب إبليس في قوله:{هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ} ؛ فجوابه من وجهين:
أحدهما: أن اللفظ إنما يدل على الخلد، وهو أعم من الدوام الذي لا انقطاع له؛ فإنه في اللغة المكث الطويل، ومكث كل شيء بحسبه، ومنه قولهم:"رجل مخلد"إذا أسن وكبر، ومنه قولهم لأثافي الصخور:(خوالد) لطول بقائها بعد دروس الأطلال؛ قال أحدهم: