ونظير هذا إطلاقهم القديم على ما تقادم عهده، وإن كانت له أول كما قال تعالى:{كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} ، و {إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} ، و {إِفْكٌ قَدِيمٌ} .
الثاني: أن العلم بانقطاع الدنيا ومجيء الآخرة إنما يعلم بالوحي، ولم يتقدم لآدم عليه الصلاة والسلام نبوة يعلم بها ذلك، وهو إن نبأه الله تعالى وأوحى إليه وأنزل إليه صحفاً كما في حديث أبي ذر لكن هذا بعد إهباطه إلى الأرض بنص القرآن، قال تعالى:{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} ، وكذلك في سورة البقرة:{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً..} الآية.
٦- وأما قولكم: إن الجنة وردت معرفة باللام التي للعهد فتنصرف إلى جنة الخلد؛ فقد وردت معرفة باللام غير مراد بها جنة الخلد قطعا كقوله تعالى:{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} .
وقولكم: إن السياق هنا دل على أن المراد بها هنا جنة في الأرض، قلنا: والأدلة التي ذكرناها دلت على أن جنة آدم عليه السلام في الأرض؛ فلذلك صرنا إلى موجبها؛ إذ لا يجوز تعطيل دلالة الدليل الصريح.
٧- وأما استدلالكم بأثر أبي موسى:"إن الله أخرج آدم عليه السلام من الجنة وزوده من ثمارها"؛ فليس فيه زيادة على ما دلّ عليه القرآن إلاَّ تزوده منها، وهذا لا يقتضي أن تكون جنة الخلد.