وقولكم: إن هذه تتغير وتلك لا تتغير؛ فمن أين لكم أن الجنة التي أسكنها آدم كان التغير يعرض لثمارها كما يعرض لهذه الثمار، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم"، أي: لم يتغير ولم ينتن. وقد أبقى الله سبحانه وتعالى في هذا العالم طعام العزيز وشرابه مائة سنة لم يتغير.
٨- أما قولكم: إن الله سبحانه تعالى ضمن لآدم عليه السلام إن تاب أن يعيده إلى الجنة؛ فلا ريب أن الأمر كذلك، ولكن ليس يعلم أن الضمان إنما يتناول عودة إلى تلك الجنة بعينها، بل إذا أعاده إلى جنة الخلد فقد وفى سبحانه وتعالى بضمانه حق الوفاء.. ولفظ العود لا يستلزم الرجوع إلى عين الحالة الأولى ولا زمانها ولا مكانها، بل ولا إلى نظيرها، كما قال شعيب لقومه:{قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} .
فإذا أتحنا الفرصة لأصحاب الرأي الأول القائل بأنها جنة الخلد؛ ليجيبوا عما احتج به منازعوهم قالوا:
١- أما قولكم: إن الله سبحانه وتعالى أخبر أن جنة الخلد إنما يقع الدخول إليها يوم القيامة، ولم يأت زمن دخولها بعد؛ فهذا حق في الدخول المطلق الذي هو دخول استقرار ودوام، وأما الدخول العارض فيقع قبل يوم القيامة، وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ليلة الإسراء، وأرواح المؤمنين والشهداء في البرزخ في الجنة، وهذا غير الدخول الذي أخبر به يوم القيامة؛ فدخول الخلود إنما يكون يوم القيامة؛ فمن أين لكم أن مطلق الدخول لا يكون في الدنيا.. وبهذا خرج الجواب عن استدلالكم بكونها دار المقامة ودار الخلد.