٢- وأما احتجاجكم بسائر الوجوه التي ذكرتموها في الجنة، وأنها لم توجد في جنة آدم عليه السلام من العري والنصب والحزن واللغو والكذب وغيرها؛ فهذا كله حق لا ننكره نحن ولا أحد من أهل الإسلام، ولكن هذا إذا دخلها المؤمنون يوم القيامة كما يدل عليه سياق الآيات كلها؛ فإن نفي ذلك مقرون بدخول المؤمنين إياها يوم القيامة، وهذا لا ينفي أن يكون فيها بين أبوي الثقلين ما حكاه الله سبحانه وتعالى من ذلك، ثم يصير الأمر عند دخول المؤمنين إياها إلى ما أخبر الله عنها؛ فلا تنافي بين الأمرين.
٣- وأما قولكم إنها دار جزاء وثواب لا دار تكليف، وقد كلف الله سبحانه آدم بالنهى عن الأكل من تلك الشجرة فدل على أن تلك الجنة دار تكليف لا دار خلود؛ فالجواب من وجهين:
أحدهما: أنه يمتنع أن تكون دار تكليف إذا دخلها المؤمنون يوم القيامة؛ فحينئذ ينقطع التكليف، وأما وقوع التكليف فيها في دار الدنيا فلا دليل على امتناعه ألبته، كيف وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"دخلت البارحة الجنة؛ فرأيت امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت لمن أنت.." الحديث.. وغير ممتنع أن يكون فيها من يعمل بأمر الله، ويعبد الله قبل يوم القيامة، بل هذا هو الواقع؛ فإن من فيها الآن مؤتمرون بأوامر من قبل ربهم، لا يتعدونها، سواء سمي ذلك تكليفا أو لم يسمّ.
الوجه الثاني: أن التكليف فيها لم يكن بالأعمال التي يكلف بها الناس في الدنيا من الصيام والصلاة والجهاد ونحوها، وإنما كان حجرا عليهما في شجرة واحدة من جملة أشجارها؛ إما واحدة بالعين أو النوع، وهذا القدر لا يمتنع وقوعه في دار الخلد، كما أن كل واحد محجور عليه أن يقرب أهل غيره فيها؛ فإن أردتم بكونها ليست دار تكليف امتناع وقوع مثل هذا فيها في وقت من الأوقات فلا دليل عليه، وإن أردتم أن تكاليف الدنيا منتفية عنها فهو حق ولكن لا يدل على مطلوبكم.