للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٤- أما استدلالكم بقصة وسوسة إبليس له بعد إهباطه في السماء؛ فلعمر الله إنه لمن أقوى الأدلة وأظهرها على صحة قولكم، وتلك التعسفات لدخوله الجنة وصعوده إلى السماء بعد إهباطه الله له منها لا يرتضيها منصف، ولكن لا مانع أن يصعد إلى هناك صعوداً عارضاً لتمام الابتلاء والامتحان الذي قدره الله تعالى وقدر أسبابه، وإن لم يكن ذلك المكان مقعداً له مستقرأَ كما كان، وقد أخبر الله سبحانه عن الشياطين أنهم كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم يقعدون من السماء مقاعد للسمع؛ فيستمعون الشيء من الوحي، وهذا صعود إلى هناك ولكنه صعود عارض لا يستقرون في المكان الذي يصعدون إليه مع قوله تعالى: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} ؛ فلا تنافي بين الصعود والأمر بالهبوط؛ فهذا محتمل.

٥- وأما احتجاجكم بكونه خلق من الأرض؛ فلا ريب في ذلك، ولكن من أين لكم أنه كمل خلقه فيها، وقد جاء في بعض الآثار "أن الله سبحانه ألقاه على باب الجنة أربعين صباحا؛ فجعل إبليس يطوف به ويقول لأمر مّا خلقت؛ فلما رآه أجوف علم أنه خلق لا يتمالك؛ فقال: لئن سلطت عليه لأهلكنه، ولئن سلط علي لأعصينه".

٦- أما ما ذكرتموه من أن آدم خلق في الأرض ولم يرد ما يفيد أن الله تعالى نقله إلى السماء؛ فإن قوله سبحانه وتعالى: {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ..} يدل على أنه كان معهم في السماء حيث أنبأهم بتلك الأسماء، وإلا فهم لم ينزلوا كلهم إلى الأرض حتى يسمعوا منه ذلك، ولو كان خلقه كمل في الأرض لم يمتنع أن يصعده الله سبحانه إلى السماء ثم ينزله إلى الأرض قبل يوم القيامة، وقد عرج ببدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروحه إلى فوق السماوات.