وهناك مرض خطير أصاب المسلمين فأوهن قواهم، وأذهب ريحهم، وأغرى بهم أعداءهم، وجرّ إليهم الويلات، ذلك هو مرض التفرق والاختلاف بين جماعات المسلمين والتنابذ والتعادي، وهو مرض وبيل، وداء خطير يجب أن ينال من عناية الدعاة إلى الله والعلماء التقاة ما يزول به الداء ويشفى هذا السقام.
فقد أوجب الله عليهم في هذا الموقف أن يبصروا المسلمين بمغبة التنازع والتفرق، وأنه محرم عليهم، وأنه يجب عليهم الآن بعد نزول البلاء وتحقق النذر أن تتصافى قلوبهم وتطهر من الضغائن والأحقاد صدورهم، وتقلع عن الهواجس والأهواء جماعاتهم وتتراحم وتتواد، وتتعاطف، وتلتقي على كلمة سواء في جهاد الأعداء واستعادة العزة والكرامة، ودفع الأسواء.
والله تعالى يقول:} وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم} , ويقول:} وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا {، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"والمسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً", ويقول:"مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى", إلى كثير من الآيات والأحاديث في هذا المقام الناهية عن التفرق، الحاثة على الاجتماع والوئام والتعاون والتناصر.
فمن أهم الواجبات على الدعاة إلى الله, وعلى سائر العلماء أن ينصحوا ويفصحوا ويبصروا، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وعلى من يعصي تدور الدوائر.
ولقد حلت بالمسلمين الكارثة الماثلة الآن بسبب هذا التفرق الممقوت والإعراض عن الاعتصام بحبل الله المتين، وهو كلام رب العالمين وعن أحاديث سيد المرسلين، فعلينا أن ندعو إلى الرجوع إليهما والائتمام بهما في كل شؤوننا {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} .