للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن بعض الناس تخفى عليهم هذه الأشياء التي جاءت بها الرسل؛ فيجب أن تبين لهم بأدلتها، وأن يوضح لهم الفرق بين الإرادة الكونية التي لا يتخلف مرادها - وهي المذكورة في مثل قوله سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} - وبين الإرادة الشرعية التي قد يتخلف مرادها بالنسبة إلى بعض الناس، وهي المذكورة في قوله سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} .. الآية.

ومعلوم أن بعض الناس مات على جهله ومات على غير توبة، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} .. الآية، هذه إرادة شرعية؛ لأنه سبحانه قد خفف على قوم ولم يخفف على آخرين، فمعنى ذلك أنه أمر بهذا ورضي به وأحبه، ولكن من الناس من وفق لهذا الشيء ومنهم من لم يوفق له، ومن ذلك ما جاء في الحديث الصحيح: "أن الله سبحانه يقول يوم القيامة لبعض المشركين: لو كان لك مثل الأرض ذهبا أكنت مفتديا به؟ فيقول: نعم، فيقول الله سبحانه له: قد أردت منك ما هو أدنى من ذلك وأنت في صلب أبيك آدم! أردت منك أن لا تشرك بي شيئا؛ فأبيت إلا الشرك". يعني أردت منك شرعا أن لا تشرك بي، وذلك ما جاء به على ألسنة الرسل من الأمر بعبادته وحده، والنهي عن الإشراك به، ولكن أبى أكثر الخلق إلا الشرك بالله عز وجل، ولم يقبلوا الإرادة الشرعية.

فمن آمن بهذه الأمور الأربعة - وهي: علم الله سبحانه بجميع الأشياء، وكتابته لها، ومشيئته لما وجد منها، وأنه سبحانه خالق الأشياء وموجدها - فقد آمن بالقدر إيمانا كاملا، ومن قصر في ذلك فقد قصر في الإيمان بالقدر، ولم يسر على هدى أهل السنة والجماعة في ذلك، ولم يؤمن بالقدر على حقيقته، بل آمن ببعضه وكفر ببعض.