الجواب الأول عند بعضهم: أن الطبيعة هي المخلوقات ذاتها التي تتمثل في الإنسان والحيوانات والنباتات والجمادات، وغير ذلك مما يوجد في هذا الكون.
والجواب الثاني عند البعض الآخر: أن الطبيعة هي الخصائص التي تختص بها هذه المخلوقات، والصفات التي تتصف بها، كالطول والعرض والليونة والصلابة والهدوء والعنف والألفة والنفرة والسكون والحركة، وغير ذلك من صفات المخلوقات.
وردنا على هذين الجوابين فيما يلي:
أما الجواب الأول: وهو أن الطبيعة هي المخلوقات ذاتها، فهو قول فاسد؛ ذلك أنه تفسير للطبيعة بالطبيعة، بمعنى تفسير الطبيعة بالمخلوقات ذاتها، أي: أن الإنسان هو الذي خلق نفسه، والحيوانات هي التي خلقت نفسها، والنباتات هي التي خلقت نفسها، والجمادات هي التي خلقت نفسها، وكل المخلوقات هي التي قامت بخلق نفسها، ومن ثم تصبح هي الخالقة والمخلوقة في آن معا.
وبطلان هذا القول واضح؛ وذلك بأنه يعني توحد الخالق والمخلوق، وهذا أمر مستحيل وجودا وعقلا، فضلا عن أن إدعاء وجود شيء من غير سبب أمر فاسد فسادا جليا؛ ذلك أننا إذا نظرنا إلى ما بين أيدينا في السماء والأرض، نرى أن الثمر يحصل من شجر، وأن الماء ينشأ من عنصري الأوكسجين والهيدروجين، وأن المطر ينهمر من السحاب، وأن الحرارة تصدر من الشمس، وأن الصوت يحدث من الطرق، وأن البناء يقوم بيد بناء، وأن هذه السطور تثبت على الأوراق بيد كاتب، وأن السيارة تصنع بيد صانع وتتحرك بيد قائد، وهكذا كل موجود لابد له من موجد، وكل مسبب لابد له من سبب.
وما لمحنا أبدا أن أدوات سيارة ترمى على الأرض فتركب نفسها، أو سيارة واقفة تتحرك دون قائدها، أو قلماً يوضع بجوار ورق فيسطر عليه سطورا دون أن يحركه كاتب، وما شاهدنا أبدا حجارة ورملا وأسمنتا على الأرض تتحرك جميعها وترصّ نفسها بنفسها فوق بعضها؛ فتقيم لنا بناء.