فمثلا لو أننا وضعنا حبة في التراب، وسقيناها بالماء لحدثت مجموعة ظواهر: انتفاخ الحبة وانفلاقها، وخروج النبت منها، وخروج الجذر واتجاهه في بطن الأرض، وخروج الساق واتجاهه إلى الأعلى، وظهور الأوراق ثم الأزهار، ثم الثمار؛ فالخصائص والصفات التي تمتاز بها الحبة هي التي أدت إلى حدوث تلك الظواهر المتتابعة؛ فمن خصائص الحبة أنها تنتفخ حين تسقى بالماء وتعوم تنفلق لو أن الحبة لم تنتفخ بالماء، ولم تنفلق ما نشأ عنها نبت جذر ولا ساق، ولا ورق ولا أزهار ولا ثمار.
فمن الذي نفخ الحبة،؟.. ومن الذي فلقها؟ ...
لو قيل إن للحبة عقلا يدرك - ولم يقل بهذا أحد حتى الجاحدون - لقلنا: إن عقلها هو الذي نفخها ثم فلقها، ولو أن الماء هو الذي نفخها وفلقها حين سقيت به لتساءلنا: لماذا لم ينفخ الماء الإنسان مثلا حين يسقى به ثم يفلقه، ثم يخرج منه جذر وساق ثم ورق ثم أزهار؟. كما يحدث للحبة سواء بسواء؟. فنرى أولئك الجاحدين يعجزون عن الجواب، فنجيب بأن للحبة خصائص وصفات لا تتوافر في الإنسان، منها أنها حين تسقى بالماء تنتفخ ثم تنفلق ثم تتوالى تلك الظواهر حتى بدو الثمار.
إن الطيعين الجاحدين يقولون: انتفخت الحبة، انفلقت الحبة، نبتت الجذور والسيقان والأوراق والثمار، دون أن يعينوا الفاعل الحقيقي لأفعال النفخ والفلق والإنبات، مقتصرين على ذكر الظواهر التي شاهدوها بناء على خصائص وصفات تميزت بها الحبة، ونسبوا إلى تلك الخصائص والصفات فعل تلك الظواهر، جاهلين أو متجاهلين فاعل تلك الأفعال، وهو ربنا الخلاق العليم، الذي حسم الأمر بقوله:{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} ؟ - الأنعام -.