وعن شجاعته وعظم توكله أقول: إن نوحا ً عليه السلام كأن ذا شجاعة عظيمة شأنه شأن سائر الأنبياء والمرسلين، وإن تفاوتوا في ذلك قوة وضعفا ً. أما توكله على ربه تعالى فقد ك ان مضرب المثل بحق، وتتجلى هاتان الصفتان: قوة الشجاعة، وعظم التوكل في الموقف التالي: جاء من سورة يونس عليه السلام قوله الله تعالى {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ} .
وبتدبر هذه الآية الكريمة على النحو التالي:
نوح عليه السلام يشعر بأن قومه قد استثقلوا ظله وسئموا الحياة معه، وما أصبحوا لا يطيقون سماع كلامه، ولا رؤية وجهه كل ذلك كأن نتيجة لدعوته إياهم إلى عبادة الله تعالى وتقواه، وهم يصرون على الشرك والفسق ولا يريدون تركهما ولا التحول عنهما بحال.
كما يشعر أن قومه يهددونه بالقتل ويتوعدونه به في غير موطن:{قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} . فيعلمهم في وضوح أنه لا يخاف الموت ولا يرهبه وأنه قد توكل على ربه عز وجل فلذا هو لا يخاف سواه، ولا يعتمد على غيره بحال من الأحوال ويدلل على عدم خوفه من الموت، وع ل ى عظم توكله على ربه فيرشدهم إلى طريقة قتله والتخلص منه إن كانوا يعتزمون ذلك حقا ً ويريدون هـ ويبالغ في التدليل على شجاعته وعظم توكله على ربه، فينبههم إلى أنهم عندما يجمعون أمرهم على قتله ينبغي لهم أن لا يترددوا في ذلك، حتى لا يفشلوا في مهمتهم ولا يكون أمرهم غمة عليهم.
بهذا التدبر للآية يتضح أن نوحا ً عليه السلام ك ان من أقوى الناس شجاعة ومن أعظمهم توكلا ً على ربه تعالى.