وفي دعوة إبراهيم أباه إلى عبادة الله تعالى وحده، جعل عبادة الأصنام قبل دعوة غيره من أهل بلاده دلالة قوية على رشد إبراهيم وحكمته. فقد أمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن ينذر عشيرته الأقربين في قوله تعالى:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} ف جمعهم ودعاهم كما جاء ذلك مبينا ً في سيرته صلى الله عليه وسلم حيث ناداهم فعم وخص حتى قال:" يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت فإني لا أغنى عنك من الله شيئا ً. أنقذي نفسك من النار " والآيات القرآنية التي عرضت دعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه هي آيات سورة مريم عليها السلام فلنوردها ولنقف على مواطن العبرة والهداية منها.
قال تعالى:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً , إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً} . ففي نهيه عليه السلام أباه عبادة الأصنام بأسلوب الإ ستفهام الذي هو أخف على النفس من صيغة النهي لا تفعل مظهر من مظاهر الحكمة وفي الدعوة، لأن آزر بحكم أنه والد كبير السن له حق التبجيل الإ حترام يتنافى معه مخاطبته بصيغة الأمر الدالة على العلو والقهر. وفي وصفة إله آزر الذي يعبده بأنه لا يسمع ولا يبصر، ولا يغن ي عنه شيئا ً متى أراد الله تعالى أن يعذبه إن هو استمر على الكفر به وعبادة غيره. مع أنه إخبار بالواقع الذي لا ينكره آزر عليه لعائن الله، إلا أنه أسلوب دعوى عال لا يرقي إليه إلا ذو القدم الراسخة في الدعوة، لان آزر كان غافلا ً تم اما ً عن كون آلهته لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع، وإنما يعبدها تقليدا ً لغيره من أهل بلاده، فليسلب إبراهيم عنها أخص صفات الألوهية كان قد أماتها قلبه وهيأه بذلك الإيمان بالله السميع البصير الذي هو على كل شيء قدير.