فلما أظلم الليل بغروب شمس النهار وطلع كوكب من الكواكب المنيرة ونظر إليه وقال في أسلوب استفهامي إنكاري: هذا ربي أي أهذا ربي؟ كما يزعمون؟ فلما أفل الكوكب وغاب بغروبه في الأفق قال: لا أحب الآفلين. وبذلك قرر عدم صلاحية الكوكب للألوهية لذهابه، وطلب غيره مما يصلح لذلك. فلما رأى القمر بازغا ً قال هذا ربي فلما أفل القمر، قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الظالمين. فأرى إبراهيم قومه وأسمعهم أنه باحث عن آية طالب له متطلع إلى يوم يعرف فيه ربه الذي خلقه ورزقه وخالق كل العالمين حتى رأى الشمس بازغة وهي أعظم كوكب في السماء وأكثر الكواكب إشراقا ً ونوراً وضياء ً. فلما رآها قال هذا ربي هذا أكبر. فلما أفلت بغروبها وذهاب جرمها واختفائه عن أعين الناس واجه قومه بالحقيقة التي ينشدها لهم يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا ً وما أنا من المشركين. وهنا حاجه قومه في توحيد ربه فأنكروا عليه ذلك كما أنكروا عليه براءته من آلهته فانبرى لهم قائلا ً:{أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ} ، فكيف يصح عقلا ً أن أتنكر لربي رب السماوات والأرض فأنكر وجوده وأنكر توحيده، والحال أنه قد هداني لمعرفته فعرفته وإلى صراطه المستقيم فسلكته، أبعد كل هذا تحاجوني في ربي أما ترعون، أم أنكم قوم لا تعقلون؟. ولما رأوا من إبراهيم الإصرار على التوحيد، وإبطال الشرك والتنديد به، وشاهدوا استخفافه التام بآلهتهم المدعاة الباطلة خوّفوه بآلهتهم، وأنها ستنتقم لنفسها ولعابديها منه إن هو بقي على معاداتها وا لإ ستخفاف بها والسخرية منها.