فرد عليهم إبراهيم قائلا ً: سأبقى على توحيد الله، وعلى الدعوة إليه، منددا ً بشرككم ساخرا ً من آلهة باطلكم، ولا أخاف تلك الآلهة التي تشركون بها إن تصيبني بشيء، إذ أنها لا تنفع ولا تضر لضعفها وحقارتها إن هي إلا أصنام نحتموها بأيديكم، وعبدتموها بأهوائكم، فكيف تضر، أو يخاف منه ضر أو شر، اللهم إلا إذا أراد ربي أن يصيبني بشيء عقوبة لي على تقصير مني في عبادته، أو ابتلاء لي في طريق دعوته للصبر عليها، أو أتخلى عنها فإن ذلك من مقتضيات حكمة الله وعلمه، فقد وسع ربي كل شيء علماً.
ثم بعد إقامة الحجة عليهم في بطلان آلهتهم وعجزها عن إصابته بأي أذى أو سوء لم يرده الله تعالى له. أقبل عليهم يوبخهم بجهلهم وغفلتهم وعدم تذكرهم إذ لو علموا بطلان ما هم عليه، ولم يجهلوا الحق الذي يدعون إليه، ولم يغفلوا عن واقع الحياة التي يعيشون وتذكروا في أنفسهم أن ما يخوفون به إبراهيم إنما هو جماد لا حياة فيه، ولا سمع ولا بصر له فكيف يمكنه أن يضر إبراهيم، أو يناله بأدنى سوء، لما خوفوه عليه السلام بما اتخذوا من أصنام آلهة ولكنهم جهلاء غافلون فاقدون لكل تدبر أو تذكر.
وبعد أن وبخهم على جهلهم وغفلتهم، وعدم تذكرهم، عاد لحجاجهم عله يكسر من أغلال تقليدهم ويمزق غفلتهم، ويخفف من تبلد حسهم فيتبينوا الحق ويرجعوا إليه فتتم هدايتهم وينجو من غوايتهم. فقال لهم في أسلوب الإ ستفهام التعجبي المثير للنفس، المحرك للضمير: وكيف أخاف أنا من أشركتم من آلهة لا سمع لها ولا بصر، ولا قدرة لها على نفع أو ضر، ولا تخافون أنتم أنكم أشركتم في ربوبية الله تعالى وعبادته ما لم ينزل به سلطانا ً من هذه الأوثان التي تعبدون، والآلهة التي تزعمون، مع أن الشرك ظلم عظيم يستوجب فاعله العقوبة الشديدة، والعذاب الأليم.