للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- ما قضاه في التيه مع بني إسرائيل من حياة طويلة تعرض فيها لألوان من تعنت بني إسرائيل وسوء آدابهم، وقبح سلوكهم الأمر الذي لا يطيقه الأمثل موسى الكليم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. أليس هذا من البلاء المبين الصبر العظيم الذي جعل موسى في عداد أولي العزم الصابرين؟ لاقى موسى عليه السلام كل هذه الضروب من البلاء، فصبر عليها، فكان بذلك أحد أولي العزم الصابرين الذي أمر إمام الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم بأن يصبر كما صبروا في قول الله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم عليهم السلام.

نجدته وعفته:

وعن نجدة موسى وعفته المثاليتين نقول: ومن كمالات موسى الكليم النفسية والخلقية نجدته وعفته، وهما خلتان كريمتان يتنافس في اكتسابهما وا لإ تصاف بهما أعاظم الرجال. وبما أن هاتين الخلتين تغلبان على حياة الكليم الروحية والخلقية فإنا نكتفي بذكر حادثتين وعرض موقفين تتجلى لنا فيهما خلتا النجدة والعفة عند موسى النبي النجي عليه السلام.

إن الحادثة الأولى وحياة موسى كلها أحداث مروره بالقبطي والإسرائيلي وهما يقتتلان، واستغاثة الثاني به ليخلصه من الشدة التي أنزلها الأول به، وما تردد موسى في نجدته وإغاثته حيث وكز القبطي وكزة قضى فيها عليه، فكانت هذه مظهراً من أجل المظاهر لنجدة موسى وقوته.

والثانية كانت عند ما جلس تحت الشجرة يستظل بظلها قريبا ً من ماء مدين والرعاة يسقون ويصدرون، وامرأتان تذودان غنمهما حتى لا تختلطا بالرعاء حفاظا ً على شرفهما، وإظهارا ً لكمال عفتهما، فيتقدم الكليم مدفوعاً بخلة النجدة المتأصلة في نفسه، وكأنه أسد هصور وعلى ما هو عليه من وعثاء السفر وغلبة الجوع، فيسقى لهما غنمها ويتولى إلى الظل الذي كان به، كأسد يعود إلى عرينه، فاخر موسى بنجدته المتقدم وقدم المتأخر، وكذلك أهل النجدة يفعلون.