فهذان هما الحادثان وقد تجلت لنا في كل منهما خلة النجدة لدى موسى عليه السلام. أما الموقفان فأولهما كان عند ما تقدمته الفتاة المرسلة إليه لتأتي به إلى والدها ليجزيه على معروفه الذي أهدى وجميله الذي أسدى، وقد عبثت الريح بدرع الفتاة فانكشف منها بعض ساقها فأبت عفة موسى عليه أن ينظر منها إلى ما كشف الريح عنها، فقال لها:" يا فتاة الطهر، امشي وراء الظهر، وأرشديني إلى الطريق بحصى تقذفين بها ".
فكان هذا موقفا ًَ رائعا ً لموسى تجلت فيه عفته أكبر التجلي، وثانيهما كان في استئجاره نفسه من والد المرأتين يرعى له غنمه أتم أجلين وأوفهما "عشر حجج كاملة "مقابل شبع بطنه وإحصان فرجه، إن عملا ً كهذا من شاب في مقتبل العمر، وقوة الفتوة ليعد نادرة النوادر، في حياة الشباب وما كان ذلك إلا لشرف أصل موسى، وكرم محتده وزكاة روحه وعفة نفسه. إن هذه المواقف المشرفة التي وقفها موسى وهو يهيئ لحمل الرسالة ويعد للإمامة والقيادة، لما ينبغي أن يكون نصب أعين الدعاة في كل بلاد الله. أن النجدة والعفة متى خلت النفس منهما خف وزنها، ورق حبل كمالها، وأصبحت نفسا ً لا عبرة بها، ولا وزن لها وأنى لها يومئذ أن تقود أو تسود.