وعن قوة موسى وأمانته نقول: أن القوة والأمانة في الرجل من مؤهلاته الكبرى لتسنم المراتب العالية، وا لإ رتقاء إلى المناصب الشريفة السامية، وأن حمل رسالة الحق والخير والإصلاح إلى الناس لمنصب شريف، ومرتبة عالية فلا يرشح لهما إلا من توفر لديه مؤهل القوة والأمانة، وقد جمع الله تعالى لعبده ورسوله موسى عليه السلام بين القوة والأمانة: قوة البدن وقوة العزم وقوة الروح، وأمانة النفس وأمانة القول وأمانة العمل، فكان قويا ً أمينا ً، وكان أهلا ً لحمل أعظم رسالة في تاريخ بني إسرائيل. وإن أردنا أن نشير إلى بعض الأحداث التاريخية في حياة موسى التي ظهرت فيها قوته وأمانته، زيادة على شهادة بنت شعيب له ذلك وهي ترشحه للعمل في مال أبيها، إذ قالت:{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} .
فإنا نذكر حادثة قتله القبطي بضربة واحدة مالها ثانية فكانت هي القاضية. قال تعالى فيها:{فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} .
كما نذكر أنه على ما أصابه من جهد، وما مسه من جوع ونصب في رحلته الشاقة وسفره الطويل (والسفر قطعة من العذاب) استطاع أن يرفع غطاء البئر، وقد كان صخرة كبيرة لا يضعها ولا يرفعها بحال إلا عصبة من الرجال وهو المنظر الذي شهدته فتاته فعرفت به قوته، وشهدت بها له عند أبيها ساعة ما رشحته للعمل فقالت: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. هذا عن قوة موسى أما عن أمانته فحدث ولا حرج وحسبه أن يقرر وصفه بالأمين القرآن الكريم في قوله تعالى:{أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}[٧] .