والأمانة وصف لازم لكل أرباب الرسالات، وحاملي شرف النبوات وموسى نبي الله، ورسول الله، ولهذا نكتفي من جانبنا في إثبات أمانة موسى وتقريرها، بإعادة استعراض الحادثة التي سبق إن استعرضناها مستدلين بها على خلة العفة النفسية لموسى، وهي حادثة بنت العبد الصالح لما صحبته من منزله قريبا ً من الماء، إلى منزل والدها حيث جمعت الطريق بينهما في خلوة كاملة. فقد روى أنه عندما بدا له بعض جسمها عاريا ً مكشوفا ً لم تسمح له أمانته أن ينظر إليها فاضطر إلى أن يمشي إمامها وهي دليله، كل ذلك من أجل أن لا يخون أمانته بنظرة يلقيها على جسم لا يحل له النظر إليه، كأن موسى قرأ ما قرأناه في كتاب الله، {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} .
إن موسى لم يقرأ هذا الذي قرأناه، ولكنه كان أمينا ً بالفطرة التي فطره عليها الله جل جلاله. فسلام عليه ذا نجدة وعفة. وسلام عليه قويا ً أمينا ً.
شجاعته وقوة حجته:
وعن شجاعة موسى وقوة حجته نقول: إن الشجاعة في اعتقاد الحق وقوله والعمل به تعتبر من أنبل الخلائق، وأسمى الفضائل، وأكرم الشمائل، وفي الحديث الشريف سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله. وإن كانت الشجاعة على نوعين: شجاعة قلوب، وشجاعة عقول، والأخيرة قليلة، والأولى كثيرة.
إن الشج ـ اعة في القلوب كثيرة
وأرى شجع ـ ان العق ـ ول قليلا [٨]
وكلا نوع ي الشجاعة محمود محبوب، وإن كانت شجاعة العقول أكثر حمدا ً لاختصاصها بالنوع الإنساني دون شجاعة القلوب حيث يشارك فيها الإنسان الحيوان ومن أشجع من ذي اللبدة ملك السباع الأسد!!؟