وعن إخلاص الكليم وتوكله نقول: إن الإخلاص وهو إرادة الله تعالى بكل النيات والأقوال والأعمال بحيث لا يلتفت العبد في نيته أو قوله، أو عمله إلى أحد من الناس، هذا الإخلاص هو أساس الدين، وقوامه قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} . قال:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ. أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} . وأجدر الناس بهذا وأحقهم به أنبياء الله ورسله، وذلك لكمال معرفتهم بالله تعالى وقوة صلتهم به عز وجل. وأنبياء الله تعالى ورسله قد يتفاوتون في صفات الكمال الذي آتاهم ربهم، فيكون لأحد هم صفة يشاركه فيها كل الأنبياء والرسل غير أنه يكون فيها أكمل من غيره فتغلب تلك الصفة عليه فيعرف بها، وليس معنى ذلك أن إخوانه من الأنبياء والمرسلين ليسوا موصوفين بها وإنما برزوا فيها فقط فغلبت عليه فذكر بها، ومن ذلك صفة الإخلاص فقد وصف الله تعالى بها نبيه موسى بقوله من سورة مريم {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً}[١٠] .فوصفه بالإخلاص وهو وصف لم يذكره لغيره من سائر المرسلين إلا ما كان من يوسف عليه السلام إذ قالت فيه:{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} وذلك لتجلى هذه الصفة في موسى وغلبتها عليه في سائر إراداته وأقواله وأعماله، ولنا أن نلحظ ذلك بوضوح في مثل قوله تعالى حكاية عنه عليه السلام:{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} . فان دعاؤه ربه تعالى على فرعون وآله بالطمس على أموالهم، وا ل شد على قلوبهم، والمراد من الطمس على أموالهم إما أن تكون حجارة، وإما أن تذهب في الأرض- وتغور فيها فلا يعثر عليها، والمعنى الأول وارد عن السلف، إذ قيل عثر في ديارهم على كيس فيه حمص وبيض قد حول حجاره. وأما الشد على قلوبهم فأنه الطبع