للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخروجه بأسرته من أرض مدين عائدا ً إلى مصر حيث خرج منها خائفا ً من آل فرعون وهم يطلبونه بالنفس التي قتلها مظهر عظيم من مظاهر توكل الكليم، وإلا كيف يعود إلى بلاد أهلها يطالبونه بدم لهم عليه يريدون أن يقتلوه به لولا التوكل الذي غلب على النفس فحجب منها كل ما عداه.

ولا يقولن قائل: إن طلب موسى من ربه أن يزوده بما يكون له عونا ً على أداء رسالته إلى فرعون وملئه حيث طلب من ربه أن يشرح له صدره وييسر له أمره ويحلل عقدة من لسانه وأن يجعل له وزيرا ً من أهله وهو هارون عليه السلام، لا يقولن قائل أن هذا قادح في كمال التوكل عند موسى، لأن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل ولا يكون قادحا ً فيه بحال، كما أن الخوف مما من شأنه أنه يخاف منه لا يقدح في شجاعة المرء وبطولة ال ب طل، هذا أمر معلوم لدى العالمين، لا يرتاب فيه ولا يخاصم عليه ومما يحكى لنا صفة التوكل القوية لدى موسى عليه السلام. مطالبته قومه بالتوكل على الله تعالى في غير موطن. من ذلك قوله: يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين، فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين، فإنه عليه السلام لغلبة هذا الوصف عليه ولكثرة ما انتفع به أصبح يراه خير معين لقومه على اقتحام المشاق، وتحمل الصعاب، كما لا يرى إيمانا ً وإسلاما ً بدون توكل على الله تعالى وحده، وهو كذلك ف إ ن من آمن بالله تعالى ربا ً كافيا ً وإلها ً حقا ً أسلم له وجهه وقلبه لا يسعه أن لا يتوكل عليه بحال من الأحوال.