إذ التوكل: الإ عتماد على ذي الكفاية من العلم والقدرة والحكمة وتفويض الأمر إليه، وسكون النفس إلى كفايته، وعدم تغلب القلب فيما هو فاعله. هذا هو التوكل مع قيد أن ما كان من الأمور المتوكل فيها مما وضع الله تعالى له الأسباب لتحصله، أو للنجاة منه، فان التوكل لا يتم إلا إذا أحضر العبد تلك الأسباب ووفرها إن كان ذلك في استطاعته. وما لم يكن منها مستطاعا ً له فلا يكلف به ولا يسأل عنه أو يحاسب عليه.
وأخيرا ً فإن صفات الكمال التي ذكرنا لموسى عليه السلام من البلاء والصبر، والنجدة والعفة والقوة والأ مانة، والشجاعة وقوة الحجة والعلم والتواضع فيه والإخلاص والتوكل ليس المراد أنا نثبتها له عليه السلام، لأن من الناس من شك في ثبوتها له، أو حاول نفيها عنه فذكرناها نحن مقررين لها يعد إقامة الدليل على ثبوتها، وإنما القصد من ذكرنا أن يأتسي به فيها دعاة الإصلاح اليوم فتكمل لشخصيتهم كما لا تصبح به ذات تأثير على من يدعونهم إلى الله تعالى ليوحدوه ويطيعوه فيتهيئوا بذلك لسعادة الدارين، بعد النجاة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
ومن هنا وجب على الداعي أن يستعرض هذه الصفات ويوطن النفس على محاولة الإ تصاف بها، فيكون له خلق الشجاعة والنجدة والعفة والصبر والتوكل والتواضع في طلب العلم، وذلك برياضة نفسه عل ى ذلك وأخذها به شيئا ً فشيئا ً حتى تصبح هذه الفضائل صفات ثابتة لها فان أغلب الفضائل النفسية مكتسبة يحصل عليها المرء بالرياضة وا لإ جتهاد، ولكل مجتهد نصيب. هذا وسلام على محمد في المرسلين وسلام على موسى في العالمين. والحمد لله رب العالمين.