ولا غرابة في ذلك، بل هو أمر منطقي، كما ترى؛ ولو أنك زعمت بأنك تحب العالم الفلاني وتقدره، وله في نفسك كل تقدير احترام، ومع ذلك كنت لا تقدر كلامه، ولا تعيره اهتماماً، ولا ترفع رأساً لحديثه، فطبيعي أن يصارحك إنسان ما مالي أراك – يا فلان – تدعي محبة – العالم الفلاني – بل التفاني في حبه، ومع ذلك لا تعير أدنى اهتمام لكلامه وحديثه وعلمه؟!! هذا تساؤل لابد منه، عقلاً ومنطقاً، ولست أدري ماذا يكون جوابك؟!! هل تقول في الجواب: إنني في الواقع لا أكنّ له محبة، وإنما هي مجرد إدعاء لظروف ما، ولا أعني بالمحبة أكثر من ذلك! !
أو تقول: إنني أحبه وأقدره حقاً، ولكن الهوى والشيطان، ولكن القرناء، ولكن الجفاء الذي أصاب قلبي. كل ذلك حال دون الانتباه لكلامه، والانتفاع بحديثه، والتأسي له؛ ولابد لك من أحد الجوابين فأي ذين تقدم وتختار؟!! فأحلاهما مرّ، والله المستعان، والأمر بالنسبة للرسول وسنته أعظم وأخطر وكيف لا؟!! ، ونحن إنما عرفنا الله وآمنا به وعبدناه وحده، بدعوته التي بلغتنا في طيات سنته، التي حملها إلينا الثقات من علماء الصحابة ومن بعدهم؛ الذين قيضهم الله لها، وأكرمهم بخدمتها، فبها بينوا القرآن وفسروه، وعلى ضوئها بنوا أحكام الشريعة حكماً حكماً. وقعدوا القواعد، وضبطوا الضوابط، التي يرجع إليها عندما تنزل نازلة، وتحدث حادثة، وتجدّ الأمور..
وكل من يدعي الإيمان بالله وبرسوله، ثم يتجرّأ فينكر سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، أو ينكر حجيتها، أو إفادتها العلم اليقيني، إنما يتناقض تناقضاً، ويضطرب في كلامه إضطراباً، ويتخبط في تصرفه تخبطاً؛ فليقرأ- إن شاء- قول الحسن البصري رحمه الله:"ليس الإيمان بالتمني ولا بالتخلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل "، ولا عمل يقبل دون موافقة السنة "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد"[٧] وسوف تنجلي الحقائق، يوم تبلى السرائر، والله المستعان.