للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الإمام ابن القيم في بعض كتبه:"لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة، والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الإكتفاء بهما وعدلوا إلى الآراء، والقياس، والإستحسان وأقوال المشايخ، عرض لهم من ذلك، فساد في فطرهم، وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور، وغلبت عليهم، حتى ربى فيها الصغير، وهرم عليها الكبير، فلم يروها منكراً، فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن، والنفس مقام العقل، والهوى مقام الرشد، والضلال مقام الهدى؛ والمنكر مقام المعروف، والجهل مقام العلم، والرياء مقام الإخلاص والباطل مقام الحق، والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقام النصيحة، والظلم مقام العدل، فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور، وأهلها هم المشار إليهم، وكانت قبل ذلك لأضدادها ". ثم قال رحمه الله:"فإذا رأيت دولة هؤلاء قد أقبلت، ورايتها قد نصبت، وجيوشها قد ركبت، فبطن الأرض – والله – خير من ظهرها، وقلل الجبال خير من السهول، ومخالطة الوحوش أسلم من مخالطة الناس ". ثم قال وهو ينصح لمن وقع في هذا الأمر: "اشتر نفسك اليوم، فإن السوق قائمة، والثمن موجود، والبضائع رخيصة، وسيأتي على تلك السوق والبضائع يوم لا تصل فيه إلى قليل ولا كثير، ذلك يوم التغابن: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} " [٤٤] ثم أردف قائلاً:"العامل بغير إخلاص، ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملاً يثقله ولا ينفعه"ثم قال: في رصف المتعصبين:" وأكثر ما عندهم كلام وآراء خرص، والعلم وراء الكلام، كما قال حماد بن زيد: قلت لأيوب: العلم اليوم أكثر أو فيما تقدم؟!! فقال: الكلام اليوم أكثر، والعلم فيما تقدم أكثر ففرّق هذا الراسخ بين العلم وبين الكلام، فالكتب كثيرة جداً، والكلام والجدال والمقدرات الذهنية كثيرة، والعلم بمعزل عن أكثرها، وهو ما جاء به الرسول عن الله، قال الله