الجواب: إن ما ذكر واقع وهو عمل نافع جليل إن شاء الله، إلا أن المقدار ليس هو كل ما يجب على المسلمين نحو القرآن، بل كل ما ذكر إنما هي وسائل، ولا ينبغي الوقوف عند الوسائل، قبل الوصول إلى الغاية، لأن الغرض من إذاعة القرآن وحفظه ودراسة علومه هو المحافظة عليه كدستور للأمة يجب الحفاظ عليه، كما يجب الرجوع إليه في جميع مجالات الحياة، ولا يكفي أبداً أن يحفظ ويذاع فقط دون أن يتحاكم إليه في أي شيء، بل يجب أن يكون هو الحكم في كل شيء. واعتقاد خلاف هذا خطأ أو مغالطة، لأن عدم الإحتكام إليه مع الإحتكام غير ما أنزل الله يعتبر كفراً بالقرآن، وهجراً له؛ وهجر القرآن أنواع كثيرة، مع التفاوت بينها، يقول ابن القيم [٤٩] :"هجر القرآن أنواع خمسة:
أحدهما
: هجر سماعه، والإيمان به، والإصغاء إليه.
والثاني
: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه إن قرأه وآمن به.
والثالث
: هجر التحكيم والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد العلم اليقيني وأن أدلته لفظية لا يحصل لها العلم.
والرابع
: هجر تدبره وتفهمه، ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
والخامس
: هجر الإستشفاء به والتداوي به في جميع أمراض القلوب، وأدرانها فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به.
وكل هذا داخل في قوله تعالى:{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}[٥٠] ، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض "ا. هـ.