والحقيقة أن المسلمين لم يعرفوا في تاريخهم علماً معيناً يسمى علم التربية لحداثة هذا الإصطلاح وحداثة العلم نفسه، والمسلمون لم يكونوا بحاجة إلى وجود هذا العلم لأنهم تمثلوا التربية عملياً في حياتهم وسلوكهم ومارسوه واقعاً في بيوتهم ومجتمعاتهم، ولم يكن عندهم التناقض الذي نحس به بين حركة التعليم وحركة المجتمع ونظام الدولة، فالمجتمع الإسلامي ينطلق نظامه في التعليم والسياسة والإقتصاد والحرب والإعلام من جوهر الإسلام ونظامه وتعاليمه فلم تكن حاجتهم لهذا العلم كحاجتهم لعلوم اقتضتها الحاجة لحفظ كتاب الله ومعرفته وتدوين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ووضع الضوابط له وإرساء قواعد المجتمع الجديد وحفظ لغة القرآن فالنحو جاء نتيجة ظهور اللحن في اللغة والفقه نشأ لتلبية حاجة المجتمع إلى رأي الدين في المشكلات الناجمة من حركة المجتمع واضطرابه وتطوره، وهكذا نجد لكل علم دافعاً لظهوره، وهو دافع ملح أو مكمل لحاجة من حاجات المجتمع الإسلامي ولم تتوفر للتربية كعلم أحد هذين الدافعين ليظهر في الوجود.
وليس معنى هذا أن المسلمين لم يعرفوا التربية فالقرآن والسنة يمثلان المرجعين الأساسيين لأسس التربية وأهدافها ووسائلها وخصائصها ونماذجها بل إن كثيراً من النظريات التربوية والنفسية التي يظن اكتشافها حديثاً لها جذور عند المسلمين والتربية الإسلامية تربية متميزة لها نظرياتها الخاصة وسماتها المتميزة التي تجعلها تتباين عن غيرها ولا يمنع هذا أن تكون هناك بعض الحقائق التربوية أو النظريات المشتركة بينها وبين غيرها من النظريات التربوية الحديثة.