وأن هذه الأسباب التي ارتبط بها انتشار الدعوة الإسلامية في الهند طوال العصور الماضية لم تتغير بعد، وأما تغير الدول الحاكمة أو أنظمة الحكم فيها، فليس له دخل في تلك الأسباب فما دام القائمون على مهمة الدعوة متمسكين بهذه الأسباب فسيجدون في الهند أرضاً خصبة لتترعرع فيها الدعوة الإسلامية ويستطيعون أن يؤدوا واجبهم في حراسة أثمن وأقدس ما يعتز به المسلمون في كل مكان، وهو المحافظة على دينهم وتعليمه لأبنائهم وصيانته في قلوبهم وبيان محاسنه لبني وطنهم جميعاً.
وأول ما نستفيده من العبرة من تاريخ انتشار الدعوة الإسلامية في الهند، أن الإسلام دين الفطرة التي فطر الناس عليها، وأن تعاليمه تتمشى مع جميع البيئات والظروف، ومبادئه صالحة لكل زمان ومكان، فإن عناصر الخلود متوفرة في أصوله وقواعده، وأن فطرة الإنسان ونواميس الطبيعة لا تتغير ولا تتبدل مهما حاول المزيفون وسعى المخرفون ليبعد الناس عن فطرتهم. وهذا هو السر الكامن وراء الإنسياق الفطري الذي رآه تاريخ الدعوة الإسلامية في مختلف البلدان المتأصلة في الوثنية والشرك والإلحاد أو في الخرافات والخزعبلات، وكل هذا وذاك إلى جانب محاولات جمة بذلت لصد تيار هذه الحركة الإلهية العالمية وتشويه أهدافها ومقاصدها، أو تزييف كتابها.
والعبرة الثانية من تاريخ هذه الدعوة في تلك البقعة من الأرض، هو دور العلماء الصادقين في سبيل نشرها ومدى أثر جهودهم في توطيد دعائم العالم الإسلامي وتوحيد صفوف المسلمين وإزالة الوهن والضعف من قلوبهم. ونستفيد أيضاً أن حلقات سلسلة الدعوة الإسلامية لن تنقطع إلى يوم القيامة وهي تستمر في مد وجزر حسب تقلبات الزمن وتطورات العصر، فهي خير مصداق لقوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .