من الكمالات المحمدية رجاحة عقله صلى الله عليه وسلم، ولنورد برهانا على ذلك أربعة مواقف كانت له صلى الله عليه وسلم اثنان منها في عهد ما قبل الإسلام، واثنان في عهد الإسلام وهي أربعة مواقف من عشرات أو مئات المواقف كل موقف منها دال على ما أوتي صلى الله عليه وسلم من رجاحة العقل وكمال الإدراك.
فالأول:
هو حضوره صلى الله عليه وسلم حلف الفضول وقوله فيه:"لقد حضرت حلف الفضول بدار عبد الله بن جدعان. وما أحب أن لي بحلف حضرته في دار عبد الله ابن جدعان حمر النعم ولو دعيت به لأجبت"[١٦] إن هذا الحلف عقد على أساس نصرة المظلوم والوقوف إلى جنبه حتى يؤخذ له الحق ممن ظلمه، فحضور النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحلف مؤيداَ له مغتبطا به، حتى قال:"ما أحب أن لي به حمر النعم"، دال على كمال عقله صلى الله عليه وسلم ورجاحته..
والثاني:
حكمه صلى الله عليه وسلم بأن يوضع الحجر الأسود في ثوب، ثم تأخذ بأطرافه القبائل القرشية حتى إذا بلغ الحجر مكانه من جدار البيت تناوله هو ووضعه في موضعه، وكذلك فعل حتى قضى بذلك على فتنة متوقعة وخصومة قائمة من أشد الخصومات أوشكت أن تزهق فيها الأرواح، فدل تصرفه الحكيم هذا على رجاحة عقله وكماله الذي أهله لأن يكون أكمل الناس عقلا بلا منازع.
والثالث:
أنه لما دخل مكة يوم الفتح منتصرا ووجد رجالات قريش قد تجمعوا حول الكعبة ينتظرون حكم الفاتح المنتصر عليهم ماذا يفعل بهم، ناداهم قائلا:"يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ " قالوا: "أخ كريم وابن أخ كريم". فقال:"اذهبوا فأنتم الطلقاء.."
إن هذا الموقف المثالي في تاريخ العظماء ينم فعلا على ما أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجحان العقل وكماله، الأمر الذي أصبح به مثلا عاليا في هذا الشأن.