أنه تنازل لقريش عن كتابة لفظ الرحمن الرحيم، وعن لفظ رسول الله في كتابة وثيقة المعاهدة التي أبرمها مع قريش عام صلح الحديبية، إذ أمر الكاتب أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال ممثل قريش الدبلوماسي سهيل بن عمرو:"أمسك. لا أعرف الرحمن الرحيم، بل أكتب باسمك اللهم"، فتنازل عن ذلك وكتب باسمك اللهم. ولما قال للكاتب:"أكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله" قال ممثل قريش: "أمسك لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن أكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله"، فتنازل عن ذلك وكتب، في حين أن أصحابه وعلى رأسهم عمر وعلي رضي الله عنهم قد كرهوا ذلك وأبوا أن يفعلوه، ورأوا أنه إعطاء للدنية في دينهم، غير أن النتائج الطيبة التي عقبت ذلك التنازل دلت على قصر نظر القوم، وبعد نظر الرسول صلى الله عليه وسلم، وكمال عقله ورجاحته، الأمر الذي كان به مضرب المثل في كمال العقل وحسن السياسة وكمال التدبير.
رحمته:
إن الرحمة التي كان يحملها قلب محمد صلى الله عليه وسلم كانت رحمة مثالية لم يحظ بها أحد من الناس، ولم تكن وصفا في كمالها لغيره صلى الله عليه وسلم وها نحن نعرض لبعض مظاهرها التي تجلت فيها فنقول: رفع إليه ولده إبراهيم وهو مريض يجود بنفسه فوضعه بين يديه وبكى صلى الله عليه وسلم وقال: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون".
وزار مرة قبر أمه فوقف عليه وبكى طويلاً وانصرف وهو يقول:"استأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي".