ولما فتح صلى الله عليه وسلم حصن بني أبي حقيق من خيبر أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي بن اخطب وبامرأة أخرى، فمر بهما بلال على قتلى يهود، فلما رأتهم الجارية التي مع صفية صاحت وصكت وجهها، وحثت التراب على رأسها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك الجارية ما رأى قال:"أنزعت منك الرحمة يا بلال تمر بالمرأتين على قتل رجالهما؟ ".
هذا ولم تكن رحمته صلى الله عليه وسلم قاصرة على بني الناس مؤمنهم وكافرهم فحسب بل دعت ذلك إلى الحيوانات، فقد قال وهو يقرر الرحمة ويحض عليها ويورثها في القلوب:"في كل ذات كبد رطبة أجر"، ويقول:"عذبت امرأة في هرة أوثقتها فلم تطعمها ولم تسقها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت" وقال: "بينما كان كلب يطيف بركيه كاد يقتله العطش إذ رأته امرأة بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فسقته فغفر الله لها به".
كرمه:
إن الكرم النفسي الذي يتحلى به الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأتي عليه الوصف، وكيف يوصف كرم من لم يسأل شيئاً طول حياته وهو في حوزته فقال لا أبدا. خرج يوما وعليه حلة من أجمل الحلل وأبهاها فرآه أحد أصحابه، فقال:"يا رسول الله أعاينها"فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته فخلعها وأتاه بها فأعطاه إياها. ولم يسأله له؟ وكان قصد الرجل السائل أن تمس جلده بعد أن مست بشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يره في ذلك من البركة.
وجاءه مرة رجل يسأل مالا، فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع الرجل إلى قومه وقال:"يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخاف الفقر أو قال من لا يخشى الفاقة".