وأخذت أقلب النظر في ممرات الفندق الفذ، وفي مكاتبه وفي بعض الحجر المجاورة، وبدأت أشم الروائح الكريهة، وأرى بعض النزلاء الذين قد لا يقدرون على استئجار مكان آخر غيره لفقرهم وطول إقامتهم للعلاج وأرى أشخاصاً آخرين ينظرون كما أنظر وهم متقززون من هذا النزل الكريم.
إيثار الخداع:
وبعد قليل اصطحبنا العامل الذي استلمنا من القائد بالعدد إلى إحدى الحجر التي وصفها بأنها خير حجر الفندق، وأنه آثرنا بها لأنا مشايخ علم كما قال: وكان لباسنا يوحي بذلك، فأنا سعودي ألبس الثوب والغترة ولبست العقال لأول مرة في حياتي حفاظاًَ على غترتي لشدة الهواء. وزميلي سوداني، وله عمة كالبرج وأكمام كالخرج وعلمنا عند الله. وعندما رأينا الحجرة الطويلة العريضة ذات الأسرة الأربعة قلنا للرجل إنا نريد حجرة بسريرين فقال: لا يهم إننا نحسبها لكم بسريرين. أي والله لقد وصلت الفريسة إلى الفم ولا يمكن لجائع إفلات فريسته. تركنا وذهب.
نظرات اشمئزاز:
فأخذ كل منا ينظر إلى البسط والأغطية ويقلبها وينظر إلى الوسائد وأكياسها، وإلى أرجاء الحجرة وما تحتوي عليه جدرانها من بقع تتقزز منها النفوس، ثم أخذنا نفتش لنجد بيت الماء خارج الغرفة وهو مشترك وعندما دخلته أسرعت بالخروج منه، فسألني الزميل أتوضأت بهذه السرعة؟ فقلت له: أدخل وتوضأ قبلي لأعد نفسي للدخول مرة أخرى.
وبعد إجبار أنفسنا على الوضوء صلينا المغرب والعشاء حتى لا نتوضأ مرة أخرى، وأخذنا نفكر ماذا نفعل؟ أننام في هذه الحجرة؟ وهل يا ترى يأتينا النوم فيها، ومن أين نأكل؟ ونظرنا من بعيد إلى المطعم فوجدنا حجرة كبيرة، يطبخ النزلاء فيها لأنفسهم ويلتمسون الأكواب للشرب فلا يجدونها.