فذهبنا إلى المحطة المذكورة ونزلنا في الطوابق السفلى لنرى عالم الذر الكبار يموج في كل اتجاه. لقد رأينا الناس يجرون جرياً غير عادي. عندنا كل طائفة تيمم جهة وبعضهم يقف ويتأمل في كتابات الجدران ثم ينطلق مهرولا، فقلت في نفسي لعل حربا عالميا قامت، أو حرائق نشبت، ولكن رأيت صاحبنا محمد أشرف يعمل مثلهم يقف ويتأمل في كتابة الجدران ثم ينطلق ونحن مضطرون أن نتبعه وعرفنا بعد ذلك أن الناس منطلقون إلى أعمالهم وإذا لم يجروا فإن القطار يفوتهم- ويأتي قطار آخر ولكن بعد أن تمضي بعض الدقائق التي تعتبر فائتة من وقتهم، ويقف الناس في طوابير ليأخذوا تذاكر الركوب، ولكن ينتهي الطابور بسرعة دون ازدحام أو محاولة المتأخر أن يتقدم على من قبله كما هو الحال عندنا.
وهناك آلات خاصة لمن هو أكثر عجلة لا يريد الوقوف بالطابور يستطيع أن يرمي فيها قروشه المطلوبة ويضغط على الزر فتعطيه البطاقة ولكنها أغلى من البطاقة التي تؤخذ من البشر.
والسلالم صاعدة وهابطة بعشرات الناس تسعى بهم سعياً حثيثاً ولكنهم لا يكتفون بسرعة تلك السلالم فيجرون هم أيضا عليها إنهم يسابقونها لأنها بطيئة في نظرهم وذلك من أجل أن يدركوا ما هو أسرع منها وهو القطار، ولا يقف على درجات تلك السلالم إلا العجزة ومن لا ارتباط لهم بالوقت وكنا من هذا الصنف الأخير وكنت أخشى في أول الأمر أن تلحق إحدى السلالم الأخرى فتطحن رجلي ولكن الله سلم.
زحام وهدوء:
وكل تلك الجموع الكثيرة وتلك الحركات السريعة والهدوء يسود الناس والنظام يسير معهم، لا تسمع صوتا ولا ضوضاء، بل لا يلتفت أحد لأحد ولا يسأل أحد أحدا، وإنما يسيرون على حسب التعليمات المكتوبة على اللوحات في الجدران.