ولكن القوم- وهذه حقيقة كسابقتها- بدون أعمار في نظر الإسلام لأن العمر الحقيقي هو الذي يفنى في طاعة الله- ومن طاعة الله تلك العمارة المادية الضخمة للدنيا، من شق شوارع وبناء جسور وتيسير مواصلات تحت الأرض وفوقها على ظهرها وفي أجواء السماء، وفي أعماق البحار ومن دقة في المواعيد، وسرعة في المعاملة، وغير ذلك مما يشهد به الواقع- ولكن هذه الأمور كلها لا تكون طاعة لله إلا على أساس الإيمان به وطاعته في أمره ونهيه، وإقامة العدل في الأرض، ومحبة الخير للبشرية ودعوتها إلى ما ينفعها أي الإسلام الكامل لله، وهذا ما يفقده القوم، لذلك أقول إنهم محافظون على أوقاتهم، ولكنهم ضيعوا أعمارهم.
لوعة الفراق:
وكان الأخ محمد أشرف يحس بلوعة الفراق لاقترابه، وكنا نرى ذلك على وجهه، وفعلا ودعنا وودعناه، وعيناه تغرورقان وأوصانا بالحذر على نقودنا وجوازاتنا وتذاكر سفرنا في الغرب لأنه يعج بالمجرمين فشكرناه على ذلك ودخلنا إلى البوابة، وكنا نظن أننا سنخرج إلى باحة المطار لتستقبلنا حافلة تنقلنا إلى الطائرة، ولكنا فوجئنا بوجودنا في مقدمة الطائرة والمضيفة تنظر في بطاقات الدخول وتشير إلى مقعدينا، فعرفنا أن الطائرة تقف بجانب ممر مصنوع بدل السلم لا يسمح للشمس أن تلفح الراكب ولا للمطر، -وهو هناك كثير- أن يبلله. ولعلنا نجدها قريبا في مطاراتنا.
دلتنا المضيفة على مقعدينا أنا وزميلي، وقد وضعوا بطاقة وراءنا بمقعدين أو ثلاثة كتب عليها: ممنوع التدخين، وفاء بالشرط الذي اشترطناه.
عناية المضيفين بالركاب:
وكان إقلاع الطائرة من مطار لندن الدولي في الساعة الثانية عشرة والدقيقة الثلاثين، وكان الاتجاه إلى الغرب مع ميل قليل إلى الجنوب، والرحلة كلها كانت فوق المحيط الأطلسي:(بحر الظلمات سابقا) .