للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والناس في كل زمان ومكان عبيد المال والإحسان. فلما تمكن واستوثق عفى على آثارها تماما فحرق كتبها، وأبطل آراءها، وحارب عقيدتها المنحرفة عن نهج الحق، ومنع أن يفسر القرآن على حسب الأهواء والميول كما يفعل الشيعة، وأمر بتدريس فقه المذاهب الأربعة، بعد أن كان ذلك ممنوعا أمام فقه الشيعة، كما أمر بقطع الخطبة عن الخليفة الفاطمي، وإعلانها لخليفة بغداد.

وهكذا طوى هذه الصفحة بكل هدوء طيا محكما، وأسدل ستاراً سميكا على تلك الحقبة من التاريخ بما عليها.

وحتى تنتظم الوحدة جميع المسلمين كتب رسالة إلى ملك المغرب يعقوب بن يوسف ابن عبد المؤمن ينهي إليه فيها أن هناك مددا متصلا يأتي الكفار من الغرب، ذلك أن فرع الكفار بالشام استصرخ بأصل الكفار من الغرب فأجابوهم رجالا وفرسانا، وشيبا وشبانا، الأمر الذي جعلهم قوة متزايدة النماء، وأخر استرجاع ما اغتصبوه، ويطلب منه النجدة وقطع الطريق أمام المدد الصليبي، وينبئه أنهم كانوا يأملون أن يصلهم هذا المدد من جانبه ليكون للمسلمين آمالا وللكافرين آجالا، فلما بطأ أرسلوا هذه الصيحة علها تحرك هذا المدد ولا غرو في ذلك، (فقد تحفل السحابة ولا تمطر إلا أن تحركها أيدي الرياح، وقد تترك النصرة فلا تظهر إلا أن تضرع إليها ألسنة الصفاح..) .

والرسالة طويلة دبجها شيخ أهل الترسل في زمانه وكاتب الديار المصرية وزير صلاح الدين- القاضي الفاضل [٣] وهي وثيقة تاريخية بالغة الأهمية، وقطعة باهرة البيان- ويذكر المؤرخون أن الظروف الداخلية والقلقة للمغرب أخرت الاستجابة إليها، وتلبية ندائها.