للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى الصعيد الداخلي أدرك بنور بصيرته وصفاء روحه وصائب حكمته أن ما عند الله تعالى لا ينال إلا بطاعته والتزام شريعته، فعمد إلى المظالم يرفعها عن كاهل الناس، وإلى المنكرات الفاشية يزيل أسبابها، ويغلق أبوابها، ويفرض حرمة الأخلاق، ويضرب على أيدي العابثين ويؤكد حاكمية الدين. واستطاع أن يجمع الناس حول راية الجهاد، ويتجه بهم إلى ميدان القتال، وينازل بهم كتائب الأعداء، صابرا محتسبا، لا يجد اليأس إلى نفسه سبيلا، ولا ترى في مواقفه من الرياء فتيلا، فلا غرو أن نصره الله نصرا بقي على مر الحقب ذكرا طيبا في الدنيا، ووسام شرف على هامات المسلمين. فقد نازل الصليبين في كثير من المعارك انتهت بنصره، وبث الخوف في أوصالهم لما امتاز به هو وجنوده من تضحية وبذل وفداء، وكلّ قد تدجج بسلاح العقيدة والإيمان، وهو سلاح فعال إذا دخل معركة آمال كفتها، وغير نتيجتها.

وعلى مشارف (حطين) دارت رحى معركة فاصلة انتصر فيها صلاح الدين انتصارا باهرا. ورأى أن يجهز على الصليبيين قبل التقاط أنفاسهم وتجميع شتاتهم، فبادرهم بجيش عرمرم إلى (بيت المقدس) وأمام قوته الضاربة وسطوته القاهرة رأوا ألا قبل لهم به ولا طاقة، فرفعوا أكفهم طالبين الصلح رابحين حياتهم، فدخله يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب عام ثلاثة وثمانين وخمسمائة من الهجرة.