للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم تعقبهم فأجلاهم عن كثير من الحصون والقلاع التي اغتصبوها، وسيطروا عليها فتم له استرجاع المقدسات.. وإطفاء جمرة الأعداء ورفع راية الإسلام عالية خفاقة على كثير من الأماكن واضعا الحروب الصليبية على قدم النهاية؛ وكان رحمه الله في كل معاركه معهم مثلا أعلى في المروءة والسماحة، فكان انتقامه عند المقدرة عفوا شاملا، وهو يرمي من ذلك إلى إظهار سماحة الإسلام وشكر فضل الله، إلى جانب ما جبل عليه من كرم الخلق ونبل الطبع وسماحة النفس. وفي أيامه الأخيرة كان يسر لبعض خاصته أن أملَه المنشود إعادة الأرض المغتصبة ورد خطر الصليبيين عنها، وتعيين من يثق فيه لتصريف شؤونها وحماية ثغورها، ثم يتفرغ حينئذ إلى الدعوة إلى الله تعالى فلا يدع مكانا في العالم إلا حملها إليه حتى لا يرى على وجه الأرض إلا مؤمنا بالله رب العالمين، أو معطيا الجزية للمسلمين خاضعا لهم داخلا تحت طاعتهم.

إلا أن آثار الجهاد بدأت تظهر على القائد، فقد عاش لله أكثر مما عاش لنفسه، ومكث في ميادين القتال أكثر مما مكث في حدائق القصور، وعاشر سمر الرماح وبيض الصفاح أطول مما عاشر أهله وذويه. وأخيرا أدرك الإعياء البطل فلزم الفراش في الشام وفي شهر صفر عام ٥٨٩ هـ فاضت روحه إلى ربه، وتذكر بعض المراجع أنهم دفنوا معه سيفه الذي كان يجاهد به، كأنه جرى في خلدهم أن ليس هناك أحد جدير بحمل سيفه وإتمام دوره وتحقيق أمله.