للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فياليت شعري كيف يمكن أن يكون النظر إن لم يكن هنالك علم؟ وكيف يمكن أن يكون هناك تدبر إن لم يكن هنالك معرفة تساعد على هذا التدبر؟ إن القرآن دل العربي في الماضي على ما يمكن أن يدركه كما نرى مثلا في قوله تعالى جَاعِلاً النظر طريق الإيمان: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} باعتبار أن الناقة لها ما لها من أثر في حياة العربي في مطعمه ومشربه وسفره وراحته وما إلى ذلك، وظلت أمور كثيرة وكثيرة لا يظهر إعجاز القرآن فيها إلا العلم الذي يصل إليه العقل البشري مرحلة بعد مرحلة.

فأنى لنا أن نقول: "هذا يجوز وهذا لا يجوز". مع أن التدبر في آلاء الله مرتبط بالإيمان أتم ارتباط. والمفروض بالمؤمن العاقل أن يزيد إيمانه ويقوى يقينه بمثل هذا.. إن اكتشافنا لجانب صغير صغير من مخلوقات الله تبارك وتعالى لا يحملنا في الشك في وجود الله وإنما يزيد يقيننا بوجوده وعظمته سبحانه والاعتراف بأن هذا النظام في المجموعة الشمسية وغيرها لا يمكن أن يصدر إلا من خالق عليم حكيم مبدع له الخلق والأمر.

إلا أن الإسلام لا يهاب العلم لأنه دعا بحرارة إليه ولا يرهب ما يصل إليه العقل البشري من اكتشاف لكوكب أو كواكب من هذا الخلق البديع الذي لا ترى فيه من تفاوت, لأنه جعل النظر والتدبر والتفكر طريق الإيمان - والحمد لله - وهذه خاصية تميز بها الإسلام.

وأكثر من هذا لقد كان المفروض أن تصل أمتنا إلى هذه المرحلة قبل هؤلاء الناس بعدة قرون أن لو ظللنا مع الإسلام وسلم لنا خطنا البياني في صعود صاعد بما يشرق عليه من ضياء هذا الدين الذي تربّى في ظله آلاف الرجال الذين كانوا يتقربون إلى الله تعالى بما يخطون للأمة من معالم المعرفة. وعلى ما ضاع من تراثنا على أيدي التتار الصليبيين والفتن والحروب ما تزال الآثار في المخطوط والمطبوع شاهدة على هذا الذي نقول ولن تعدم الدنيا منصفا - ولو مع الأعداء - يعترف بذلك.