للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولد حافظ إبراهيم سنة ١٨٧٢ م (أي منذ أكثر من مائة عام) .. ومعلوم أن تلك الفترة كانت من أحلك الفترات التي مر بها تاريخ مصر وهي ترزح تحت الحكم الأجنبي وسيطرة المستعمر الدخيل.. وشب حافظ ليرى أمته مهيضة الجناح مغلوبة على أمرها، والمستعمر يدس بأنفه في كل شيء، لا يعبأ بمقدسات ولا يرعى حرمات، ولم يكن من مصلحة المستعمر أن يستشعر المسلمون كرامتهم أو أن يحسوا بمقومات حياتهم أو مقدساتهم. ومن ثم سلّط همه على أبرز ما يمكن أن يجتمع المسلمون تحت لوائه.. القرآن الكريم.. ولم يكن المستعمر من الغباء بحيث يهيّج مشاعر المسلمين بالتهجم على كتاب الله فجاءه من ناحية لغته.. العربية.. والتي عن طريقها كذلك كانت حضارة الإسلام والمسلمين..

وجاء أمثال (وليم ويلكوكس) ذلك المهندس الإنجليزي.. جاء إلى مصر سنة ١٨٨٣م ليثبط من عزم المصريين، وليثنيهم عن محاولة التقدم العلمي، بحجة أن (الفصحى) لا يمكن لها أن تقوم بهذا الدور الحضاري [١] . ثم يجيء مستر (ويلمور) سنة ١٩٠١ م ليدعو أحد قضاة محاكم الاستئناف بالقاهرة إلى استعمال العامية بدلا من الفصحى، ودعا إلى ما أسماه (لغة القاهرة) وأن يوضع لها قواعد.. واقترح اتخاذها لغة للعلم والأدب، كما اقترح كتابتها بالحروف اللاتينية [٢] ..

وكثر المقترحون من أهل اللغات الأجنبية (لشدة حرصهم على العربية) !!!

وكان من سوء حظ العربية بين أهلها أن وجدت هذه الدعاوى وتلك المقترحات آذانا مصغية من مثل (الخورى غصن) في سوريا سنة ١٩٢٥، ثم تبعه (سلامه موسى) في مصر سنة ١٩٢٦ م.. ومعلوم أن (حافظ إبراهيم) توفى سنة ١٩٣٢ م.

وكان من أقوال (الخوري غصن) في كتابه (درس ومطالعة) وتحت عنوان (حياة اللغة وموتها) : "أن كل لغة على وجه الأرض ماشية إلى الفناء مهما بلغت من المجد والكمال وذلك لأن كل حي يولد فينمو فيبلغ أشده، فشبابه، ثم يضعف ويهرم ويموت ... "