بالخوف من انقلاب العرب عليهم، ظناً منهم أن تقديس العرب لذلك البيت إنما مرده إلى تقديس قريش لآلهتهم المنصوبة عليه {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} فجاء الرد الإلهي على ذلك الزعم تذكيراً بأن الفضل لله وحده في توفير كل هذا الخير لجيران بيته {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا..} ٢٨-٥٧ وما أجمل وأروع تلك الصورة التي يتملاها العقل المؤمن في قوله تعالى لهؤلاء المجادلين بالباطل في سورة العنكبوت {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ!..} .
إنه لمشهد التباين الهائل بين واقع الأرض التي اجتاحتها أعاصير الفتنة حتى لا يفي برسمها إلا صورة الناس كل الناس يتخطفون خلالها، إلى جانب الواحة المحروسة بحدود الله، وقد جعل لكل داخل إليها الحق كل الحق في أن يكون آمنا..
هذه النعمة الكبرى، نعمة الأمن، التي استأثر بها عرب الجاهلية وفقدتها سائر شعوب العالم من قبل، قد أصبحت بعد فجر الإسلام حقا مشاعا لكل بني آدم. تهوي أفئدتهم إلى البيت وتنطلق زحوفهم نحوه من كل حدب وصوب، ليتعارفوا في ظله فيأتلفوا، وليذكروا أسم الله في أيام معدودات ومعلومات على ما رزقهم من أصناف الخيرات. ثم يرجعوا إلى ديارهم كيوم ولدتم أمهاتهم، فرحين مبتهجين بما أكرمهم ربي من زيارة بيته، وبما وفقوا إليه من أداء الشعائر وبذل المبرات، والتطهر من الآثام، فهم- كما وصفه- النبي أشعيا- (مفديو الرب يرجعون بترنم، وفرح أبدى على رؤوسهم. ابتهاج وفرح يدركانهم ويهرب الحزن والتنهد) .