ثم تلا ذلك زحف أبرهة، الذي ركبه الغرور فآلى ليهدمن أول بيت وضعه الله لعباده في مكة مباركا، كي يصرف عنه العرب إلى فليسه التي أقامها هو لهم في دار ملكه. فإذا هو وفيله وكتائبه المغرورة كعصف مأكول.. وتشرق الأرض بنور الإسلام، ويسترد البيت مكانته الإبراهيمية حنيفا خالصا لله وحده. وكان من حقه أن يستمر على هذا الخط الرباني ما دام للإسلام سلطان يحكم مجرى الأحداث وتهفو إليه القلوب.. قلوب أهل الحق.. إلا أن الشيطان الذي أخزاه الله على أيدي الثلة الأولى من تلاميذ النبوة، لم يلبث أن وجد الثغرات في بناء الأجيال التالية. فعشش وباض وفرخ، ثم زين لمبير ثقيف أن يسلط على بيت الله مجانيقه التي صدعت البنية المكرمة، وقد ألقى على لسانه حجته الإبليسية الداحضة، التي تقول بأن هدمه للبيت كان خدمة للإسلام، كي يتمكن من إعادته إلي حجمه الذي عهده الناس أيام رسول الله والراشدين من بعده! وما أحسبه إلا قد علم يقينا أن الصحابي الجليل سليل الصحابة الأجلة عبد الله بن الزبير، لم يتجاوز رغبة نبي الله صلى الله عليه وسلم بتوسعة البيت حتى يشمل حجر إسماعيل عليه السلام، ولكنها الدنيا التي أعماه حبها فلم يفرق بين مرضاة الله وغضبه.. فكان ذلك من الطاغية أول خرق في حرمات البيت يشهده تاريخ الإسلام.
وما هي إلا حقبة قصيرة حتى تلا تلك الهجمة العاتية طغيان صنائع المجوسية من القرامطة، الذين اقتحموا ساحة المسجد عام ٣١٧ هـ بقيادة شيطانهم الأكبر سليمان الجنابي- أبو طاهر- ففتكوا بالآلاف من عماره. ما بين طائف وراكع وساجد، وقتلوا الآلاف من أبناء مكة، وسبوا الآلاف من نسائم وذراريهم، ثم عادوا بالحجر الأسود. الذي انتزعوه من الركن الذي أنزله فيه رسول الله، ليجعلوه في بناء مزور دعوا سفهاءهم للطواف به على طريقة أبرهة من قبل..