وغير بعيد من ذلك العهد جاء العدوان الثالث- عام ٤١٤- على يد مصري غتل من ملاحدة اليهودي بن كلس مؤله الحاكم المجنون.. وبينما الناس في غمرة من الخشوع لجلال الله حول بيته، إذا هو يستل دبوسا من الحديد فيهوى به على الحجر الأسود.. وكانت مؤامرة أريد بها استكمال ما بدأه اللعين أبو طاهر من قبل، ولكن الله سلم. فأحيط بالمجرم ومن معه من الفرسان فقتلوا عن أخرهم.
واليوم.. على مقربة من خاتمة القرن الرابع عشر يروع عالم الإسلام بالفاجعة، التي كادت تعفي على سابقاتها الفواجع.
لقد حدثت الفظائع الأولى في عهود المواصلات البطيئة، فانحصر أثر كل منها في نطاق البيئة المتقاربة، ثم لم تتسرب أنباؤها إلى الأبعاد إلا بعد فوات المناسبة، وعقيب برود الجراح حيث مضت إلى الجماهير عن طريق المسافرين والمؤرخين، ليعيدوا الفكر في ظروفها ودوافعها، ويستخلصوا من دروسها العبر التي لا تنسى.
أما قارعة اليوم فقد اقتحمت قلوب الناس وأسماعهم منذ انفجارها عن طريق البرق والعواكس الفضائية، فكانت كالزلزال الضخم ما كاد ينطلق من مركزه حتى انتشرت رواجعه على امتداد الساحة المتصلة به، تلك الساحة التي تشمل أرجاء العالم الإسلامي كله دون استثناء.. ويا لهول ما غمر ذلك العالم من ذهول وهو يتلقى أنباء الحدث العظيم!..
ولعمر الله ما كان شيء من ذلك الذهول الرهيب بعجيب.. فكيف.. ولم؟.. والنازلة إنما تحل في أقدس أقداس هذا العالم.. في أول بيت وضع للناس، في البقعة التي حرمها الله، فجعلها مأمن الخائف، وأنس الشريد، وملاذ الطريد.. في القبلة التي تشد المسلمين بروابط الوحدة والأخوة صباح مساء.. في المثابة التي يفيئون إليها كلما أدهمت الأحداث، وتعرضت وشائج الأرحام لبوادر الجفاف.