أنا لا أريد التعرض لدواخلهم، فأحكم على عقائدهم بالسداد أو الفساد. فالمغيب لله وحده، وليس لنا سوى المشاهد من الأعمال.. وهو هنا كاف لإدانتهم بالجريمة، دون أي اعتبار لما في وراءه من ألوان النوايا..
وما أرى حاجة لمحاكمة أفكارهم بشأن المهدي، بعد أن أشبعها علماؤنا بحثا وتدقيقا، فنحن مع أهل العلم في إثبات ظهوره ذات يوم على الوجه الذي حدده الخبر النبوي الصحيح، وهو تحديد بالغ الوضوح بحيث لا يحتمل أي شبهة إلا عند أدعياء المعرفة ممن لا ينظرون أبعد من أنوفهم.. وقد أثبت هؤلاء المغرورون أنهم هم الأدعياء حقا، وإلا فكيف يفسرون دخولهم بالسلاح إلى البيت العتيق؟! وكيف يؤولون إغلاقهم أبوابه دون الناس وهم يقرؤون في كتابه الخالد {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا!!} وبأي تعليل يسوغون تجمعهم على تلك الصورة القتالية، بعد أن فضحوا أنسفهم من خلال خطبهم المسجلة، وهم يوزعون الأوامر على أعوانهم من حملة السلاح ليتخذوا مواقعهم هنا وهنالك على المآذن وفوق السطوح وفي زوايا المسجد ... مما يقطع بأنهم قد خططوا للصدام منذ اللحظة الأولى، على الرغم من إعلان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أن الله قد أباح له مكة ساعة من نهار، ولن تباح لغيره بعد ذلك إلى الأبد ... ويستحيل على معني بخبر المهدي، إلى الحد الذي أوضحوه في رسائلهم، أن يفوته الإطلاع على هذا الحديث المشهور (٤) وما يحمله من إنذار خطير لكل من تسول له نفسه العبث بأمن البيت، بل بأمن مكة المكرمة كلها.. فكيف إذا ذكرنا وعيد العزيز الحكيم في شأن بيته الكريم {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}(٢٢-٢٥) وقد فهم أولو العلم من ذلك أن مجرد الهمَ بسوء في بيت الله كاف لاستيجاب العذاب الموعود.