ثم إني لا أدري لماذا تقفز إلى ذهني، وأنا أفكر في حركة هؤلاء الممرورين صور أسلافهم من الخوارج الذين حبسوا بصائرهم في نطاق الأخطاء التي شاهدوها أو توهموها، فلم يجدوا سبيلا للإصلاح إلا في القضاء على القادة الثلاثة في عواصم الإسلام الثلاث! ... وسرعان ما تتابعوا في هذا المنحدر يفتعلون الأحداث، ويحدثون الفتوق، ويعطلون الطاقات الإسلامية عن مواصلة الجهاد لنشر دين الله وإقامة شريعة اللَه- وهم مصرون على غرورهم بأنهم وحدهم حماة الإسلام، وكل من عداهم فأعداء لله ورسوله ...
وما أكاد أفرغ من هذه المشاهد الموجعة حتى أجداني تلقاء صور متلاحقة من وقائع الرعب المعاصرة التي توشك أن تعم الدول كلها، فتطغي أنباؤها على سائر الحوادث العالمية الأخرى.. إن ثمة جيلا من الشذاذ تباعدت مصادر هوياتهم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ولكنهم تلاقوا على أمر واحدا هو الكراهية لأوضاع المجتمعات التي يعايشونها، ثم التعبير عن ذلك بالتجرد للعنف، فهم اليوم مصدر بلاء غير محدود على شعوبهم، التي سلبت نعمة الاطمئنان، فهي تتخبط من تصرفاتهم في ظلمات من القتل والخطف والإرهاب، تستثير الشفقة من كل إنسان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.
ومن حق هذه المشاهد على تباعد أزمنتها وتباين أغراضها، أن تتداعى في خيال المفكر، لما يربط بينها من وحدة في الخلفيات غير المنظورة. ذلك أن النقمة من الواقع كانت هي الشرارة التي فجرت في أعماق الجميع رغبة التغيير، ثم اختلفت بهم السبل، فسلك كل فريق منهم الاتجاه الأقرب إلى طبيعته ونشأته، مع بقاء الكل أسارى نظرتهم السوداء، إذلم يستطيعوا الارتفاع عن تصورهم المحدود، الذي لا يؤمن بأن في الحياة وسيلة للإصلاح خارج نطاق العنف والكراهية.
إنه الغلو والغرور، الغلو في التشاؤم الذي يضخم به الشيطان حجم المسيئات حتى تحجب عن عيني المتشائم طيف كل حسنة.