وقوله تعالى في هذه الآيات:{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ} إلى آخرها كله في المعراج المحمدي ومن هنا كان هذه اللفظة تقريرا لمعجزة المعراج، والتي أشير إليها في آية سبحان إشارة فقط بكلمة لنريه من آياتنا: إذ الآية نصا صريحا في الإسراء وليس كذلك في المعراج ولكن ما في آية سبحان من إشارة قررتها وأوضحتها آيات النجم، إذ فيها أنه صلى الله عليه وسلم رأى جبريل مرتين مرة بأجياد من مكة والثانية كانت بالملكوت الأعلى عند سدرة المنتهى في جنة المأوى، حيث أراه ربه تعالى من آياته الكبرى ما شرف به على أهل الأرض والسماء، وهو فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم..
{إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} :في هذه الجملة التفات من التكلم إلى الغيبة..ونكتته البلاغية تربية المهابة في النفس السامع.
ومعنى هذه الجملة: إثبات صفتي السمع والبصر لله تعالى. وهما صفتان ذاتيتان أزليتان. بهما يسمع كل صوت، ويبصر كل ذات وصفة الحصر الناجمة عن ضمير الفصل، وتعريف المسند بالألف واللام دالة على أن صفات الخالق عز وجل الذاتية أو الفعلية صفات تخصه لا يشاركه فيها غيره، ولا يشبهه فيها أحد. وبيان ذلك أن صفات المخلوق كالسمع والبصر والعلم والإرادة والحياة مثلا ليست ذاتية له بل هي موهوبة ككل حياته من خالقه عز وجل، فالإنسان حي بالله وبه يرى ويسمع ويبصر، ولولا ما وهبه اللْه من ذلك ما كان شيئا ولا كان له شيء. إذ خلقه من قبل ولم يك شيئا..
وهذا سر حصر هذه الجملة السمع والبصر في الله ونفيها لهما ضمنا عما سواه.. والغرض الذي سيقت له هذه الجملة الكريمة هو تقرير حادثة الإسراء والمعراج، وأنها تمت على سمع وبصر من الله تعالى على حد قوله:{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} وفي ذلك من تشريف النبي صلى الله عليه وسلم والإعلاء من شأنه ما لا يقادر قدره، ولا يدرك مداه.