وفي رواية أخرى لمسلم:"فأخذتني رجفة شديدة" قال علماء اللغة: "جئث الرجل إذا اشتد فزعه فهو مجؤوث ومجئوث أي مذعور"ثم قال صلى الله عليه وسلم: "فرجعت إلى خديجة فقلت: زملوني "فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} - فقوله صلى الله عليه وسلم:"فرعبت منه"يفيد أنه رآه على صورته الحقيقية، وهي صورة لفرط عظمتها تبعث على الروع. وكانت الرؤية الثانية ليلة الإسراء، ويروي عنها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رأى جبريل له ستمائة جناح"[٧٠] وعن مسروق قال [٧١] : كنت متكئا عند عائشة، فقالت:"يا أبا عائشة: ثلاث: من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية، قلت: ما هن، قالت: من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، قال: وكنت متكئا فجلست فقلت يا أم المؤمنين أنظريني، ولا تعجليني، ألم يقل الله عز وجل {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ} ٢٢: التكوير، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} ٩: النجم، فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطا من المساء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض.." وفي رواية أخرى للسيدة عائشة رضي الله عنها قالت [٧٢] : "إنما ذاك جبريل عليه السلام كان يأتيه في صورة الرجال، وإنه أتاه في هذه المرة في صورته التي هي صورته، فسد أفق السماء".
بقى سؤال عن الكيفية التي جاء بها الملك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حراء فقد يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه" قد يفهم البعض من هذه العبارة أنه جاء بحراء على صورته الملائكية، وإلا فكيف عرفه حين رآه جالسا؟.