ويجاب على هذا: بأنه لو رآه جالسا على نفس الصورة التي رآه بها في الغار لما اعتراه الرعب حين رآه مرة أخرى فإن معاودة الرؤية على حالة واحدة تورث الألفة. وإنما عرف أنه الملك بملابسات الأحوال وقرائنها المحيطة به صلى الله عليه وسلم في هذه الفترة.
(٣) مجيء الملك على حالة غير مرئية تصحبها أمارات دالة:
ومن صفات الملائكة أو من أسمائهم أنهم جنة: وكلمة الجن كلمة دالة على ستر وخفاء [٧٣] قال الله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} ١٥٨: الصافات، فالجنة في الآية الكريمة هم الملائكة، والمعنى أن المشركين جعلوا بين الله سبحانه وبين الملائكة نسبا بزعمهم أن الملائكة بنات اللًه والملائكة تعلم أن هؤلاء المشركين محضرون في العذاب [٧٤] .
ولقد كان جبريل عليه السلام يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا بحالته هذه المستترة فلا يراه أحد وتسمع له صلصلة ولمجيئه دوي، وقد وصف رسول الله [٧٥] صلى الله عليه وسلم هذه الحالة حين سأله الحارث بن هشام رضي الله عنه: كيف يأتيكَ الوحي؟ فقال صلى الله عليه وسلم:"أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشد عليا فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال".. وقد وصفت السيدة عائشة هذه الحالة بقولها [٧٦] : "ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا".. وسيأتيك مزيد من البيان لهذه الحالة في الفصل الآتي عن كيفية الوحي القرآني.
على أي صورة كان الوحي القرآني
والآن بعد طول التطواف نصل إلى إنسان عين البحث متسائلين: ككيف كان الوحي بالقرآن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
١- (أ) هل كان نفثا في الروع: وإلقاء للمعنى في النفس، وسلكا للفكرة في الفؤاد، كما هو الشأن في الوحي ببعض أقسام السنة [٧٧] ؟